اعترف كارلوس بقتل 83 شخصا بشكل مباشر و2000 آخرين في عمليات قادها شخصيا
سيرة «القاتل» كارلوس الذي استأجره الهواري بومدين لاغتيال الملك الحسن الثاني سنة 1978- 7
«لا أحد سيعرفك كما عرفك أبناء بلدك». مقولة تطوي حكمة كبيرة، لكنها لا تنطبق على الجميع. كيف للفنزويليين أن يعرفوا «كارلوس» في بداياته وهو لم يكن يميل إليهم ولا يجالسهم.
صورة له وهو في عنفوان الشباب. صورة مجهولة المصدر والسياق لكنها كانت من بين ما تمت مصادرته ليحفظ في أرشيف كارلوس الذي حصل عليه الأمن من عائلته ومن صندوق مقتنياته الخاصة. فرغم أنه كان كثير الترحال في دول الشرق حيث كان يربط علاقات وطيدة ومشبوهة مع أنظمة عربية وإفريقية، إلا أنه كان حريصا على أرشيف شخصي هو كل ما تبقى له عندما اشتدت عليه الكماشة أكثر فأكثر ليعتقل سنة 1994 في السودان، بعد أن كانت جل مخابرات العالم تعتقد أنه مختف إما في اليمن أو في جوارها.
«كاراكاس»
العاصمة الفنزويلية كاراكاس أغرت الكتاب والأدباء والصحافيين والمغامرين. كل الذين أرادوا فهم أمريكا اللاتينية حجوا إليها. إلا «إيليتش» فقد فرّ منها وقرر عدم العودة إليها. تكتب صحيفة «كاراكاس كرونيكلز» الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي تحظى بتمويلات عبارة عن هبات ودعم من الفنزويليين حول العالم، مستقلة عن أي دعم حكومي محلي، عن «كارلوس» ما يلي: «بعض الرجال يريدون فقط مشاهدة العالم يحترق. إيليتش راميريز المعروف بـ«كارلوس» الثعلب أو «ابن آوى»، الإرهابي الدموي، كان لديه حلم لفنزويلا. إنه يجلس خلف القضبان، ولن يكون بمقدوره أبدا أن يحقق هذا الحلم. لكن كيف سوف تتعامل فنزويلا مع عرضه؟».
العرض الذي تحدثت عنه الصحيفة هنا، يتعلق بأنباء وتصريحات نسبت إلى كارلوس عند اعتقاله في باريس وعرضه على المحكمة سنة 1997، إذ أعرب عن رغبته في نقله بعد الحكم عليه إلى فنزويلا لكي يقضي بها ما تبقى من حياته.
بعض المصادر تحدثت عن تشبث «كارلوس» بأمل في إرشاء جهات ما لتسوية ملفه إن غادر فرنسا التي لم يكن يربطه بها أي شيء سوى ماض بعيد اقترفه في السبعينيات ولا يريد تذكره.
بينما تحدثت معلومات أخرى عن رغبة في إعادة الاعتبار إلى جنسيته الفنزويلية واعتباره مناضلا ثوريا لتحرير فلسطين، وليس مجرما كما صوره الإعلام.
لكن الحقيقة ضاعت بين هذه الصور التي يحاول الكثيرون إلصاقها بـ«كارلوس». لكن شهادته من وراء القضبان، أو مذكراته التي كتبتها الصحافية صوفيا بونيت التي حاورته لساعات في قلب زنزانته في باريس، بعد الحكم عليه بالمؤبد في قضية مقتل الشرطيين الفرنسيين بباريس سنة 1972، جاءت بعنوان: «تحيات ثورية».
اعترافات خطيرة
ظلت الثورة حلما لكارلوس حتى عندما صودرت منه حريته وجلس فوق الدكة الباردة متأملا الفراغ.
لكن ماذا سيقول بخصوص علاقاته بأجهزة مخابرات لأنظمة عربية طلبت منه تنفيذ عمليات لصالحها. لقد كانت علاقاته مفضوحة بعدد من الأنظمة العربية التي اتصلت به في سياق لم يكن يربطه بالقضية الفلسطينية أي شيء.
ورد أن جلسات الاستنطاق المطولة التي قضاها عتاة المخابرات الفرنسية مع كارلوس لحظة اعتقاله وترحيله إلى باريس، كانت كلها أسئلة مركزة ومضبوطة عن تحركاته طيلة ثلاثين سنة.
في كتاب «تحيات ثورية»، يعترف «كارلوس» اعترافات خطيرة بأنه قتل بيديه 83 شخصا، وقاد قواته المكونة من رجاله المخلصين لقتل 2000 شخص آخرين. كانوا عبارة عن دبلوماسيين ومسؤولين وأعضاء في منظمات دولية مختلفة وأمنيين أيضا، بمختلف انتماءاتهم وجنسياتهم.
نحن إذن أمام زعيم تنظيم سري، يشهر الكثير من الأوراق كلما حوصر في الزاوية. حتى أنه قال في تلك المذكرات إنه إن كتب له مغادرة الزنزانة بعد تقدمه فعلا بطلب لإطلاق السراح المشروط، رغم أنه متورط في قضايا قتل، فإنه سوف يتوجه إلى فنزويلا لتسلم زمام السلطة وقيادة البلاد.
هذا إذن هو الحلم الفنزويلي الذي تحدثت عنه الصحيفة، واعتبرت أن زنزانة باريس تحول بين «كارلوس» وحلمه الفنزويلي.