استيطان المجرة.. مشاريع مستقبلية
بقلم: خالص جلبي
يحيط بالجنس البشري خطر محدق، وتهدد مصيره أشكال من المفاجآت من مذنب شارد يضرب الكرة الأرضية، كما حصل مع اختفاء الديناصورات قبل 65 مليون سنة. ويمكن أن يكرر نفسه وعلى صورة أشد هولا، فلابد من إيجاد البديل.
هذا التصور لا يتناقض أيضا مع فكرة (المبدأ الإنساني)، الذي يرى الكون مبرمجا يمضي إلى أجل مسمى، ويبدو أن الجنس البشري عصي على الفناء، والتفكير يمضي اليوم في اتجاه بناء ما يشبه سفينة نوح، تشق طريقها في عباب السماوات العلى للرحيل إلى شاطئ السلامة، سواء في نظامنا الشمسي أو الانتقال عبر مجرتنا، للرسو على أرض جديدة، من خلال تقنية معرفة الكواكب وأماكن وجود النظم البيولوجية.
أو البقاء على ظهر سفينة من نوع خاص، تؤمن لنا حياة مستمرة على الأقل لبضعة ملايين من الناس، تتابع رحلة التناسل والحفاظ على النوع الإنساني.
أول البدائل المطروحة أمام احتمالات تدمير الكرة الأرضية، أو تكاثر الجنس البشري إلى الحد الذي يدفع إلى البحث عن أراض جديدة، هو العثور على كوكب آخر ويعتبر المريخ في الوقت الراهن أقرب كوكب مناسب، ولكن لابد من تعديل مناخه بجراحة كونية عملاقة على أربع مراحل:
لابد أولا من ضخ الدفء في مفاصل كوكب المريخ، الذي يعيش في ثلاجة حقيقية بدرجة حرارة تصل إلى 63 تحت الصفر، ولتدفئته لابد من بناء مصانع كيماوية عملاقة، تنفث غازات تدفئ الكوكب وتخلق ظاهرة (البيت الزجاجي المعزول)، التي تحيط بالكرة الأرضية وتحافظ على حرارة الأرض من تقلب درجاتها، بين الليل والنهار، فالقمر مثلا لا يصلح للحياة بسبب عدم وجود هذا (السقف المحفوظ)، كما وصفه القرآن، ووجها القمر تتأرجح فيهما الحرارة ما بين 150 درجة فوق وتحت الصفر، بحيث تستحيل فيه الحياة، ما لم يجر عليه تعديل جوهري.
ـ ومع المحافظة على درجة الحرارة في كوكب المريخ التي رفعناها، تبدأ المدرعة الجليدية من غاز الفحم المتراكمة في قطبيه بالذوبان، وتبدأ المياه المتوفرة والمتجمدة على عمق متر كما يظن بالتدفق إلى سطح الكوكب الأحمر، بحيث يتحول الكوكب في مدى 40 سنة إلى جو شبيه بالأرض، يستطيع المرء التنقل فيه بملابس عادية، بفارق أنه جو عابق بغاز ثاني أكسيد الكربون، مما يضطر الإنسان فيه إلى حمل قارورة غاز من الأكسجين على الظهر، كما يفعل الغطاسون في الأعماق!
-إذا انقضت مرحلة (التسخين)، وتكون (السقف المحفوظ) العازل للمريخ بتغيير نسب الغازات في جوه، وهي حاليا تضم غاز الأكسجين الضروري للحياة بنسبة 0,13 في المائة، مقارنة بالأرض 21 في المائة وغاز الآزوت الخامل 2,7 في المائة، مقارنة بالأرض 78 في المائة، فسوف ترتفع في جو المريخ كثافة غاز الفحم، التي هي بالأصل 95 في المائة، وسيرتفع الضغط إلى 3,. بار مقارنة بالضغط الحالي 5,6 ميللي بار، أي 0.0056 في المائة مقارنة بالأرض، التي يبلغ فيها الضغط 1013 ميللي بار، وهذا يعني أن الضغط فيه سيرتفع إلى مقدار ثلث ضغط الأرض، إذا أخذنا بعين الاعتبار قطر المريخ الذي يبلغ حوالي نصف قطر الأرض 6787 كلم، مقارنة بالأرض 12756 كلم.
إذا تم تسخين (المريخ) بواسطة مصانع عملاقة، تبدأ المرحلة الجديدة من (نقل النباتات) العملاقة الخضراء، التي تشفط غاز الفحم لتشكيل اليخضور وضخ الأكسجين في سماء المريخ، كما أن المياه المودعة في خزانات ضخمة، تبدأ في الظهور إلى السطح الأحمر في ينابيع، ومن مزيج المياه والحرارة وغاز الفحم مع النباتات الخضراء، يبدأ مناخ لطيف في التشكل التدريجي خلال 100 عام، ما يحيل جو (مارس) إلى ما يشبه المناخ الطبيعي على ظهر كوكب الأرض، وخلال 500 سنة يكون البشر قد بدؤوا في التوافد للعيش على ظهر كوكب الحرب مارس، كما سماه اليونانيون. ومع نهاية الألفية الثالثة، يصبح الكوكب جاهزا للسكن من 100 مليون من البشر.
مع هذا يبقى السؤال، هل الكوكب ضروري لسكنى الإنسان، أم أن بإمكان الجنس البشري أن يعيش في خيمة متنقلة من كوكب متحرك في أجواز الفضاء؟
بعد تجارب المحطة الفضائية (مير) والانطلاق بالمشروع الدولي لبناء محطة دولية (ISS)، التي باشرت عملها مع عام 2000 م، هناك فكرة بناء فنادق كونية خارج الكرة الأرضية، تعيش قريبا من المحطة الفضائية، بعد تراكم خبرة الاستقرار الطويل خارج الأرض.
ومن المتوقع أن يبدأ أول مشروع عام 2069 م، مع مناسبة مرور مائة عام على النزول على سطح القمر، بتدشين أول جزيرة فضائية متحركة تأخذ اسم (الجزيرة الفضائية الأولى)، وسيكون شكل هذه الجزيرة مثل إطار السيارة بقطر 130 مترا، وهي فكرة داعبت خيال المهندس (جيرارد أو نايل) في سبعينات القرن الماضي، وسيكون بإمكانها استيعاب عشرة آلاف رائد فضاء مفتوحة على مساحة كيلومترين مربعين من السكن، ولكن مشكلتها أنها مربوطة بحبل سري إلى الأرض من تقنية الصيانة والخامات والغذاء.
كذلك صمم المهندس (نايل) نموذجا لموديل متطور من الجزيرة الفضائية من الجيل الثاني، يكون ذاتيا بحتا لا يتطلب الاعتماد على الأرض ومساعدتها، وسيكون بإمكانه أن يضم 150 ألفا من الناس.
وأما الطاقة فستكون من محطات نووية، تقوم على توليد الطاقة بطريقة الالتحام النووي، تأخذ حاجتها من الهيدروجين الكوني المتوافر، وأما المعادن فمن شظايا الأحجار الكونية والمتوفرة بقطر يصل إلى 150 كم، ونظرا لأنها ستبقى في النظام الشمسي، فهي ستتحرك بين الزهرة والمريخ، وبهذا تكون الإمكانيات قد نضجت بما فيه الكفاية للانطلاق بمشروع (الهابيتات 3)، أو ما يطلق عليها (السفينة الكونية)، يكون على ظهرها عشرة ملايين إنسان في أسطوانة عملاقة تعيش بسهولة لمئات السنين وباستقلال كامل، وسيكون قطر هذه الأسطوانة 6,4 كلم وطولها 32 كلم، بمساحة للحياة تصل إلى 1300 كلم مربع وبمناخ صناعي يشبه مناخ الأرض، بما فيها طبقة أوزون يهب الزرقة الجميلة لسمائها، ويحميها من الأشعة الكونية وغيوم تسحب ذيولها عبر فضائها، بما يذكر بمناخ الأرض تماما، وتمشي بسرعة عُشر الضوء، أي 30 ألف كيلومتر في الثانية!
وقد نتعجب من هذه السرعة، ولكن يمكن تحقيقها في فضاء يخلو من أي مقاومة.