منذ وفاة الملكة البريطانية إليزابيث في الثامن من شتنبر الماضي، والرأي العام في بريطانيا، والعالم، صار أكثر اهتماما بسيرتها، على اعتبار المدة الطويلة التي قضتها في الحكم، والتي ناهزت سبعين سنة حافلة جدا بالأحداث.
حتى الإنتاج الضخم لأجزاء الدراما«The Crown»، والذي يتناول حياة العائلة الملكية في بريطانيا في فترات تعود إلى ما قبل ولادة إليزابيث ثم مسارها وهي ملكة للإنجليز، سجل إقبالا كبيرا في نسبة المشاهدات جعلته هذه الأيام يصبح في قائمة الأكثر طلبا رغم أن الأجزاء الأولى من السلسلة أنتجت والملكة على قيد الحياة.
ورغم أن السلسلة تطرقت لعلاقة التاج البريطاني بعدد من الدول، من بينها مصر، إلا أنها لم تتطرق لعلاقة التاج البريطاني بالمغرب، رغم أن علاقة الصداقة بين المغرب وبريطانيا تعود إلى أكثر من خمسة قرون، منذ أيام الدولة السعدية. والمثير أن منتج السلسلة تطرق في جزء منها إلى حياة الملياردير المصري الفايد الذي كان ابنه على علاقة بالأميرة ديانا بعد سنة 1995، صور المشاهد التي تتعلق بحياة هذا الثري المصري قبل هجرته، في المغرب وليس في المغرب. ولا توجد أية إشارة في السلسلة إلى أن تصوير المشاهد المصرية قد تم في المغرب. بل إن مشاهد حفل زفاف الفايد الذي بدأ حياته بائعا متجولا للمشروبات في صيف الإسكندرية، صورت في المغرب وبدا واضحا أن شكل المعمار والزخارف كلها على الطراز المغربي، ورغم ذلك أوهموا ملايين المشاهدين أن الأحداث تدور فعلا في مصر.
لم يتطرق المسلسل، رغم أنه حاول رصد قضايا وملفات كثيرة من حياة العائلة الملكية البريطانية، خصوصا في عهد رئيس الوزراء تشرشل الذي كان عاشقا كبيرا للمغرب ورسم بعض لوحاته في مراكش، إلى ما يتعلق بعلاقة هذا الوزير بالباشا الكلاوي وكيف أرسل له دعوة حضور حفل احتفال تتويج الملكة إليزابيث، وقصة الهدية «الخُرافية» التي قدمها الباشا للملكة ولم يتسلمها منه ديوانها بدعوى أنه لا يحمل صفة تتيح له تسليم الملكة هدية بتلك القيمة.
دعونا من هذه القصة. المسلسل، رغم أنه تطرق إلى قصص تعود إلى تاريخ العائلة الملكية البريطانية وعلاقتها ببعض الدول خلال بداية القرن العشرين وقبل انطلاق الثورة الروسية ضد القيصر، إلا أنه لم يتطرق أبدا إلى زيارة أميرة بريطانية إلى مدينة طنجة سنة 1901، وكيف كانت تلك الزيارة تاريخية بكل المقاييس، وأضفت نوعا من الدفء على العلاقات المغربية البريطانية في فترة توتر حاد في المغرب. إذ إن تلك الأميرة حظيت باستقبال ملكي في طنجة نظمه على شرفها الوزير المغربي السابق المهدي المنبهي الذي استقبلها في قصره الكبير الذي لا يزال موجودا إلى اليوم في منطقة مرشان، وحل الصحافيون لكي ينقلوا يومياتها في المغرب إلى الصحف البريطانية والتقطوا لها صورا بالمناسبة. كما أن الأميرة نفسها أصرت على رؤية مكان قبور أفراد عائلة صديقة للأسرة الملكية، ماتوا في حادث تحطم سفينتهم قرب المغرب أثناء عبورهم، وتقرر أن يُدفنوا في مقبرة الإنجليز.
هذا الوزير المغربي، المهدي المنبهي، سبق له أن زار لندن وكان لديه اتصال مباشر بالعائلة الملكية أيام إدوارد السابع، وعرض وساطة بين بلاده والتاج البريطاني لإبرام اتفاقيات أنقذت اقتصاد بريطانيا في عز الأزمة. ورغم أن المسلسل اهتم بقصص كثيرة من التاريخ تقل أهمية عن قصص مغربية مثيرة، إلا أنه فضّل أن يعرض المغرب خلفية فقط لحفلة زفاف الشاب المصري الفايد، الذي أصبح لاحقا أحد أكبر رجال الأعمال في أوروبا، واقتنى قصر ملك بريطانيا لكي يتقرب من الملكة إليزابيث، ويموت ابنه مع الأميرة ديانا في الحادث الشهير.
يونس جنوحي