عمرو الشوبكي
عرف العالم تجارب استعمارية كثيرة وعرفت الشعوب أيضا تجارب تحرر وطني عديدة اختلفت في أساليبها من أجل الحرية والاستقلال، ولكن بالقطع لم يعرف العالم استعمارا مثل الإسرائيلي، سواء من حيث طبيعته أو خطابه السياسي.
يقينا الخطاب الإسرائيلي الذي يقال داخل إسرائيل وخارجها لا يحرض فقط على الكراهية والعنصرية، إنما يعطي غطاء سياسيا لجرائم الإبادة الجماعية وقتل المدنيين والأطفال بشكل متعمد، وإن الاستماع الدقيق لرموز منظومة الحكم والتطرف في إسرائيل سيكتشف أننا أمام خطاب غير مسبوق في تاريخ الدول الاستعمارية، التي كانت تحرص على تقديم «حجة ما» لتبرير الاحتلال، فقد كان هناك مبرر سياسي استراتيجي وراء احتلال دول استعمارية كبرى لدول أضعف.
فبريطانيا احتلت دولا كثيرة منها مصر، من أجل السيطرة على طرق ملاحة حيوية، أو من أجل استغلال اقتصادي، ولم تقل إنها جاءت لإبادة الشعب المصري أو الهندي، وحتى الاستعمار الفرنسي الذي ارتكب جرائم مخزية في الجزائر، حين جاء مصر مع حملة نابليون حمل رسالة ثقافية مع جيوشه الاستعمارية وحاول أن يزرع نموذجا ثقافيا تابعا له، ثم حاول في الجزائر أن يضم بلدا عربيا إسلاميا إلى فرنسا بالقوة المسلحة.
أما الاستعمار الإسرائيلي فهو لا يرغب في ضم الضفة أو قطاع غزة لإسرائيل، إنما هدفه هو قتل وتهجير شعبها، وهو نمط نادر في تجارب الاحتلال التاريخية أن يكون الهدف هو إبادة شعب وليس حتى استغلال اقتصادي وسياسي.
وربما تكون آخر تجارب الاستعمار أو الاحتلال المعاصرة هي تجربة أمريكا في أفغانستان، فقد احتلتها أمريكا بالقوة العسكرية، ولكنها أنفقت مليارات على هذا الاحتلال بهدف تأسيس نموذج سياسي جديد على المقاس الأمريكي، أي أنها استخدمت العصا والجزرة، فأنفقت أكثر من تريليون دولار على تأسيس جيش جديد وسلحته ودربته، وفي الوقت نفسه بنت أشكالا ديمقراطية ومؤسسات حديثة من الخارج، ولكنها من الداخل كان «يعشش» فيها الفساد وسوء الإدارة، رغم مظهرها الحداثي.
20 عاما قضتها أمريكا في أفغانستان تبني نموذجا بديلا لطالبان، وفشلت لأنها كانت قوة احتلال وانسحبت وتركت السلطة لحركة طالبان التي حاربتها منذ 2001.
أما الاستعمار الإسرائيلي فهو لم يحمل «جزرة» في أي مرحلة في تاريخه، إنما عصا ملطخة بالدماء قامت على تعمد قتل المدنيين وتهجيرهم، وتقديم نموذج لاستعمار غير مسبوق في سوئه وتحريضه وعنصريته، ويقوم على تفريغ كل الأراضي الفلسطينية من شعبها الأصلي.
إن الخطط الإسرائيلية في قطاع غزة التي تقوم على استئصال شعبها وإبادته لن تنجح حتى لو ربحت معركة أو أكثر، لأنه لم يحدث في تاريخ التجارب الاستعمارية الحديثة أو المعاصرة أن انتصرت قوة احتلال، مهما كان عنفها وبطشها، وإن استثناء الاستعمار الإسرائيلي هو في درجة السوء وليس مطلقا أنه قادر على البقاء أو الانتصار.