استعدادا لموجة اللاجئين الجزائريين
أضحت موجات النزوج مشكلة عالمية حقيقية اليوم. فالآلاف يعبرون المتوسط من ليبيا وسوريا ولبنان نحو أوربا المتقدمة والمستقرة. ولا فرق بين الفنان والرياضي والأطفال والنساء، فالكل يبحث عن الأمن والأمان. فعندما تسقط البلاد في أيدي عشاق السلطة يصبح الحق في الحياة أولى الأولويات. حينها تصبح قوارب البحر أرحم من براميل الجو، سيما إذا تعلق الأمر بحكام مجرمين، مستعدين دوما للتحالف مع الشيطان لسحق شعوبهم.
يقع هذا في سوريا واليمن وليبيا اليوم، ووقع في الجزائر قبل خمس عشرة سنة. ولأن ما حدث في بلاد المليون ونصف المليون شهيد في التسعينات لم يجعل حكام الجزائر يستخلصون العبر، ليمكنوا شعبهم من الأمن والأمان، ويجعلوه يستفيد من خيرات وطنه، فإن ما يحدث هناك في الآونة الأخيرة، يفرض علينا، في المغرب، أن نستعد لموجة اللجوء القادمة، والتي ستكون الجزائر مصدرها.
حصل هذا ويحصل بشكل عائد أبدا، في كل جمهوريات الكناية والاستعارة، حصل في تونس الخضراء بعد طرد بنعلي، ومصر أم الدنيا بعد عزل مبارك، وفي سوريا الشام الآن، واليمن السعيد بعد «حرق» صالح، ووحده العقيد؛ إمبراطور «الجماهيرية العظمى» السابق كان واضحا وفاضحا أيضا، لا دستور إن كان الشعب سيضطر كل حين إلى أن يخيطه على مقاس الزعيم المفدى، ولا انتخابات إن كان صوت الشعب عويلا لا يقاس بوحي «الفتوحات الخضراء»، ولا تحزب إن كانت الأحزاب عميلة للإمبريالية.. كذا؟
وهذا الوضع المستحدث في جزائر ما بعد الاستقلال، يعني أن العسكر وجدوا أخيرا إمبراطورهم الدمية، الذي يرضي جشعهم ويصون بـ«الدستور» امتصاصهم لما تبقى من دم شعب ناضل حتى قطرة الدم الأخيرة من أجل التحرير، ليجد أنفاسه تكتمها خفافيش إرهابية تتخذ من جحور الجبال مسكنا لتفسد في الأرض باسم الله؛ الرحيم بالعباد، وأوليغارشيا عسكرية تتخذ من جحور المدن مستودعا لجمع ثروات الوطن؛ وطن العباد، ومنح الفتات لأبناء الشهداء والمناضلين الحقيقيين، على شكل أبنية تتهشم على رؤوسهم عند أضعف زلزال أو أول قطرة مطر..
بلد يحكمه العسكر.. وطن هذا أم ثكنة؟ هل جزائر المليون شهيد هذه؛ أرض أم وكر ذئاب؟ (اقتباسا عن الرائع مظفر النواب)، عسكر فهموا قولة ماو «إن البنادق ليست لها أرواح» باختراع لعبة عرائس تفرض قواعدها الرجوع إلى شعب أنهكوه بإرهاب دولة منذ بداية التسعينيات «لانتخاب» رئيس معين سلفا، ثم تصيير هذا الرئيس ملكا مدى الحياة، ودفع الشعب الجزائري على غرار باقي «العرب العاربة والمستعربة»؛ انتظار ملك الموت الذي يحوم غير بعيد عن قصر «المرادية» منذ ما يقارب السنة، لإعمال مبدأ التداول على السلطة.
ولأن السُّلطة (بالضمة) تماما كالسَّلطة بالفتحة (الله إيرزق الشعب الجزائري غير الصحة والسلامة المفقودين منذ ما يناهز العقدين)، فإنها تفرض نوعا من التوابل لكي يستسيغها شعب لازال يتجرع طعم الإرهاب، منها توابل «المصالحة الوطنية والوئام المدني ومشروع المحطة النووية» وغيرها من «راس الحانوت»، والتي تذر الرماد على واقع اجتماعي واقتصادي في غاية السوء، مع أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية أدرت على الخزينة العامة ملايير الدولارات غير المنتظرة، وجهت بدون الرجوع للشعب هذه المرة، إلى مشاريع التسليح الخيالية والدعم المالي السخي لقائمة الانفصاليين الشحاذين على عتبات «قصر المرادية» وموائد المساعدات الإنسانية في تندوف.
وللتاريخ نسجل أنهم جنرالات مجربون ومحنكون، محنكون في لعبة العرائس هذه، فقد جربوها ولازالوا يجربونها حتى اليوم مع هذه الدمى المتاجرة بالهلوسات في تندوف، وجربوها أيضا مع بوضياف، ليغدروا به بعد هنيهة، تماما كما غدروا بإخوان لهم من قبل، عندما شرعوا في الكلام غير المباح. ولأن الكلام المباح بالبومدينية الجديدة، أحادي الاتجاه، منسوج على لازمة «بومدين يا رفيق حْنَا ناعْسين على الطريق»! فإنه يُسمح فقط بالكلام ملء الفم على المغاربة والمغرب ووحدته الترابية وطفراته في مجال حقوق الإنسان، كان آخره التشفي في ارتفاع ضحايا التدافع في الحج.
وها هو بوتفليقة اليوم يمعن في احتقار ذكاء المواطن الجزائري بلعبة عربية سمجة: تمرير الحكم لأخيه، تماما كما حاول مبارك أن يفعل مع ابنه، وحافظ الأسد مع أخيه رفعت. لذلك فمن يقرأ ما يحدث الآن هناك سيعرف أن البلاد على بعد شهور قليلة وتندلع الكارثة.