استراتيجية عربية لسوريا؟
وليد شقير
يبذل الأردن جهدا دؤوبا من أجل صوغ سياسة عربية جديدة تعيد الحضور العربي إلى لعب دور ولو متأخر، في أزمات المنطقة من طريق اجتماع وزراء خارجية 6 دول عربية، الخميس الماضي، في البحر الأحمر.
وإذا كان الحضور العربي بدا فاعلا ولاعبا أساسيا في بعض هذه الأزمات، مثل مواجهة التمدد الإيراني في اليمن وقطع الطريق على التغلغل في البحرين، ودول خليجية أخرى منها الكويت والسعي إلى إبعاده في السودان، فإن هذه الدول تحتاج إلى الكثير من أجل استلحاق ما فاتها في العراق وسوريا ولبنان.
اعتمدت بعض الدول العربية الفاعلة على التشدد الأمريكي حيال طهران في السنوات السابقة، فجاء رهانها أقرب إلى الخيبة، سيما في عهد الرئيس باراك أوباما الذي غض النظر عن اندفاع الحرس الثوري في تثبيت أقدامه في بعض الميادين، لمبادلة غض النظر هذا بالاتفاق على النووي. وبعض الدوائر العربية وحتى الدولية لا تخفي شكوكها بأن توجهات واشنطن تجعل دونالد ترامب يعتمد سياسة شبيهة بسياسة سلفه من زاوية القرار الاستراتيجي، باعتبار مصالح أمريكا في العقد المقبل هي في التوجه إلى آسيا وترتيب علاقاتها مع الصين، ما يجعل الشرق الأوسط ثانويا بالنسبة إليها. هذا على رغم اختلاف ترامب عن أوباما حيال إيران تحديدا.
لذلك أمام الدول العربية الساعية إلى استعادة الدور العربي في هذا الميدان أو ذاك أن تتعاطى مع ملفات شائكة باتت تتطلب بالمقابل استراتيجية بعيدة المدى وطويلة النفس، بدلا من التحرك وفق الحاجة الظرفية.
فالتعاطي مع تحول استراتيجي لم يعد ممكنا بسياسات آنية، إذا كان الهدف الحد من اندفاعة قوى إقليمية استغابت الدور العربي، ثم صادرته، أو تتجه للهيمنة عليه، في الشراكة بإدارة الوضع الإقليمي. فهذه الدول المحورية التقطت اللحظة المناسبة كل على طريقتها من أجل ملء الفراغ الذي يتركه الأمريكي، سواء بالأخطاء المميتة التي يرتكبها أو بالانكفاء نتيجة مصالحه الأبعد مدى من الإقليم.
قد يكون الدافع لاجتماع الدول العربية الست وضع خريطة طريق للتعاطي مع الوضع في سوريا في المرحلة المقبلة، نظرا إلى إلحاح الحاجة إلى حسم الموقف من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، عليها.
لم يعد التحدي الوحيد للدور العربي استعادة المساحة التي احتلتها إيران في بلاد الشام، وهي مساحة واسعة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وثقافيا. بات عليه استباق تكريس الدور التركي في شمال سوريا، وكذلك مقاومة تثبيت الدور الإسرائيلي المقبل على خطوات دراماتيكية شديدة الخطورة، منها ضم الجولان إلى الكيان الصهيوني، بغض نظر أمريكي وتراخ روسي وتسليم داخلي، مقابل استمرار النظام الحالي. كل هذا من دون إهمال أولوية الحد من الافتراس الفارسي للواقع السوري، تحت جناح الحليف الروسي.
فسياق تقاسم النفوذ الدولي والإقليمي على أراضي دولة باتت مشاعا للتدخلات الأجنبية وبات فيها حكام دمشق الأقل نفوذا والحلقة الأضعف في تقرير مصيرها، يجعل من بديهيات أي استراتيجية عربية حيال سوريا، الحاجة إلى احتساب التوافق مع الدولة العظمى التي صارتها روسيا، بحكم دورها العسكري، على أنه ركن أساس في هذه الاستراتيجية.
مصالح موسكو هي التي تملي عليها التوافقات التي تنسجها مع كل من أنقرة وطهران وتل أبيب، على أن تأخذ كل من الدول الثلاث قسطها من الجبنة السورية. وعلى رغم أن إدارتها لأدوار هذه الدول تتسبب في تعارض المصالح أحيانا بينها وبين هذه الدول، فإنه تعارض يشكل الثغرة التي يمكن للدور العربي أن ينفذ منها لاستلحاق ما يمكن استلحاقه من الغياب عن الساحة.
فموسكو تريد ولوج الحل السياسي للأزمة السورية، ونظام بشار الأسد لا يريده، ويسعى على ضعفه إلى التفلت منه بالاعتماد على الدعم الإيراني وبالإفادة من التناقضات بين حلفائه، وبينهم وبين منافسيهم، على الصعيد الميداني. قد تشمل خريطة الطريق العربية تصورا يبدأ بالإصرار على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، النسخة المركزة عن المبادرة العربية لحل الأزمة السورية، ولا ينتهي بالتصدي لما تبقى من «داعش»، وما بينهما من قضايا شائكة، منها معالجة التغييرات الديموغرافية التي يبتكرها النظام بمساندة إيرانية. وهل هذا ممكن بمعزل عن الوضع في العراق ولبنان بعد أن فتحت طهران الحدود بينهما وبين سوريا؟
أما المشاركة في إعادة الإعمار فهي الأكثر تعقيدا في ظل العقوبات الأمريكية على إيران، التي تسعى إلى التنفس من الرئة الاقتصادية السورية، بعد أن قال حسن روحاني إن بلاده تواجه أصعب وضع اقتصادي منذ 40 سنة.