شوف تشوف

الرأي

ارحل

عندما قامت الشعوب الثائرة في ربيعها المفترض لتطرد طغاتها، رفعت في وجوههم كلمة «ارحل»، كي تستطيع العيش ولكي تتمكن من مواصلة الحياة.. فلا حياة في كنف الطغيان، كيفما كان نوع هذا الطغيان، طغيان حاكم أو طغيان فكرة.
لا يمكن بوجه من الأوجه أن تواصل مسيرتك في هذه الحياة في ظل قوى طاغية متسلطة متجبرة، هذه القوى عدا أن تكون خارجية بتأثير الآخر، فهي أكثر من ذلك داخلية، نحن من نخلقها ونمنحها الوجود لتحيل حياتنا لجحيم ملتهب. نحن من نبتكر الخوف ونملكه صكوك حريتنا ونبايعه على السمع والطاعة، ونضع رقابنا تحت نعليه ونقدم له طقوس الإجلال.. تلك القناعات الجاثمة على رؤوسنا بأننا لا نستطيع، ولن نستطيع.. والأفضل لنا أن نظل كما نحن حتى لا يشار لنا بالأصابع، فويل لمن له أشارت.
تلك الأفكار السوداء التي نتشبث بها وندللها ونعتني بها، والتي لا تفعل شيئا سوى تحطيمنا، ذلك الوسواس الذي ننجبه ليلتهمنا، ذلك الخوف الذي نمنحه أكبر حيز من وجودنا.. كل ذلك طغيان نحن من نأتي به إلى الوجود.
خوفنا المستمر من الفشل، ضعفنا الدائم أمام التغيير، رهابنا الأبدي من النقد، معتقلنا السرمدي بين دفات التجارب القديمة، خوفنا من تكرار نفس الخطأ، تجنبنا للفرح خوفا من ضياعه.. وسواسنا الدائم من العين والحسد، مقموعون جدا.. ولا قامع لنا سوانا.
نميل إلى الشقاء وتقريع النفس وجلد الذات، نعشق النواح ونكرر دائما أن الحظ يكرهنا، نكررها صباح مساء حتى تصبح قناعة.. ثم تتحول لحقيقة.
نضع أمامنا تجارب الناس الفاشلة وسقوطهم المتكرر، ونتبجح بأننا أذكياء فنحن تجنبنا كل ذلك، ولم نجرب شيئا قط.. خزاننا من التجارب صفر، لأننا نخاف. نخاف الفشل، نخاف السقوط.. نخاف التعثر، لتمر سنوات الحياة ونحن في نفس المكان، لم نضف شيئا، لم نغير شيئا.. ندعي أننا بخير، لكن الواقع أننا مجرد أصنام جامدة، الحقيقة التي نحاول تجنبها أننا مجرد وهم!
أن تخسر شيئا في تجربة مُرة، ثم تتعلم منها أشياء أهم وأكبر وأعمق، خير من أن لا تجرب شيئا وأن لا تخسر شيئا وأن لا تكسب شيئا، على الأقل من فشل، سيتعلم من فشله، أما الصنم الذي يفضل الجمود، فهو كما هو، لم يتعلم ولن يتعلم، ففي جموده موته البطيء وفي تراجعه الدائم وخوفه من خوض مغامرات مختلفة، تخلفه وانتكاسته !
نشوة الحياة تتحقق عند المجازفة، شغف العيش يكتمل عندما نستقبل المجهول بعزيمة كبيرة، نغامر ونجرب، وقد نفشل وقد ننجح.. لكن الأهم أن نخوض التجربة، بحلوها وبمرها، بفشلها الضروري وبنجاحاتها الكبرى، بعقل بسيط عند البداية، وبوعي أعمق في الختام.. هو هذا ما يمنح الحياة لذتها وسحرها.
أمام كل قمع نخلقه من خوفنا اللعين، أمام كل شلل يتملكنا أمام الخيارات الكبرى، أمام الجبن الذي نختبئ خلفه ونملكه مفاتيحنا.. وأمام طغيان الرعب من الفشل الذي نتعبد له.. سنرفع كلمة «ارحل».. فليرحل عنا كل ما يجعلنا عبيدا للخوف، رعايا للسلبية، وقطعانا من الغنم يسوقها وسواس الفشل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى