اختلالات تدبيرية تجبر وزارة التربية الوطنية على الاختيار بين إعفاء المسؤولين ومحاكمتهم
يترقب كل المسؤولين الجهويين والإقليميين حركة تنقيلات غير مسبوقة بتاريخ الوزارة ستشمل أكاديميات ومديريات إقليمية كثيرة. هذه الحركية فرضها سياق خاص هو جملة من الإعفاءات أصدرها وزير القطاع سعيد أمزازي، وهمت بالخصوص ثلاثة مديرين إقليميين، وسياق عام يتمثل في دخول الوزارة في مرحلة تنزيل القانون الإطار، بعد المصادقة على مشاريعه في المجالس الإدارية الأخيرة.
حركة تنقيلات غير مسبوقة
أسابيع قليلة تفصل الوزارة عن قرار غير مسبوق يتمثل في إحداث حركة تنقيلات واسعة النطاق لم تشهدها الوزارة من قبل. هذه الحركة ستتضمن قرارات إعفاء وتنقيل وتعيين، ولن تقتصر على المديرين الإقليميين فقط بل ستشمل العديد من الأكاديميات، حيث تشير مصادر موثوقة إلى أن الوزارة أخبرت مدراء الأكاديميات بموعد إجراء مقابلات مباشرة ستمتد لساعتين لكل مدير أكاديمية. وهذه المقابلات ستشمل تقديم حصيلة تدبيرهم للأكاديميات التي أشرفوا عليها وأيضا مخططاتهم لتنزيل المشاريع الجهوية التي تم اعتمادها من طرف المجالس الإدارية للأكاديميات في الأسابيع الماضية.
المصادر ذاتها تتحدث عن أن هذه العملية محاطة بسرية كبيرة لتجنب التأثير الخارجي وخاصة الحزبي في القرارات التي ستشهدها هذه الحركية، خصوصا وأن العديد من المديرين الجهويين والإقليميين معروفون بانتماءاتهم الحزبية، سواء للأحزاب المشاركة في الحكومة أو تلك المتمترسة في المعارضة. وبالتالي هناك دوما إمكانية حدوث اتصالات عبر الحزب الذي ينتمي إليه وزير القطاع سعيد أمزازي أو عبر ديوانه مباشرة لاستثناء بعض الأسماء من الإعفاءات أو لتعيين أسماء أخرى لا تخفي رغبتها في تولي المسؤولية، ومنها أسماء معروفة في القطاع على عهد وزراء سابقين.
يأتي هذا القرار في وقت أعفى فيه وزير القطاع ثلاثة مدراء إقليميين بسبب اختلالات تدبيرية وخاصة في مجال البناء والتجهيز. وهؤلاء هم مدراء تيزنيت والقنيطرة وآسفي. فيما تتحدث مصادر أخرى عن أن الإعفاءات ستشمل مدراء آخرين إما بسبب وصولهم لسن التقاعد أو لكون بعض المدراء الجهويين طلبوا إعفاء بعض المدراء الإقليميين بسبب عدم قدرتهم على مواكبة استراتيجيتهم في تنزيل مشاريع الإصلاح. خصوصا، تفيد المصادر ذاتها، وأن المقابلات الشفوية التي ستنظمها الوزارة مع مدراء الأكاديميات ستشمل أيضا طاقمهم التدبيري من مدراء الأقاليم، وأن مدراء الأكاديميات سيتعين عليهم اختيار الطاقم التدبيري الذي يفضلون العمل معه في المرحلة القادمة.
وجاء قرار وزير القطاع إحداث «ثورة» غير مسبوقة على مستوى المديريات الإقليمية والجهوية بعد وصول تقارير تفتيشية كثيرة حول أداء العديد من المسؤولين، ليجد سعيد أمزازي نفسه أمام وضع يجبره على أحد اختيارين: إعفاؤهم أو استمرارهم وتقديمهم للمحاكمة.
حكامة التدبير جزء من الإصلاح نفسه
ارتباط الحكامة بالإصلاح هو جزء من التصور الذي قدمته الرؤية الاستراتيجية. ففي تقرير قدمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين قبل سنتين بعنوان «الحكامة الترابية للمنظومة التربوية في أفق الجهوية المتقدمة»، أكد المجلس الأعلى أن الرؤية الاستراتيجية قاربت قضية الحكامة، في ضوء حصيلة المنجزات ومكتسبات الدستور وتطور المرجعيات الدولية، حيث اعتبرت أن المقومات الأساسية لتحقيق الحكامة الجـيدة تمتد إلى خمسة أركان، تتمثـل فـي: أولا التقائية السياسات العمومية، ثانيا: إرساء نظام للحكامة التـرابية في أفق الجهوية المتقدمة. ثالثا: النهوض بمقومات الشراكة والتعاقدات بيـن الأطراف المعنية. رابعا: تطوير النظام المؤسساتي لقيادة المنظومة وتقييمها وضمان جودتها. وخامسا: تمويل المنظومة التربوية.
تؤكد توجهات الرؤية الاستـراتيجية للإصلاح أن الهندسة الترابية القائمة على اللامركزية الوظيفية واللاتمركز القائمة على تفويض باقي الاختصاصـات لم تستنفد جميع إمكانياتها بعد، ويستلزم ذلـك تطوير التسيير الذاتي والتشاركي، مع التسلح بالتقييم والمحاسبة لضمان النجاعة. وتتطلع هذه التوجهات، طبقا لاستـراتيجية 2015-2030، إلى تكريس دور الدولة الاستراتيجية والناظمة، بحيث تقوم بتحديد التوجهات الكبرى والاختيارات الاستراتيجية والمعايير الضرورية والآليـات المؤسساتـية والقانونية لضمان تنفيذهـا، مع التدخل من أجل التتبع والتقييم وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما يدعو إلى تفويض الدولة بعض مسـؤوليات تدبير القطاع إلى الجماعات الترابية. وبما أن مجال التربية والتكوين يغطي مجموع التراب الوطني، ويتوجه إلى كافة السكان، ويستدعي مشاركة الجميع في مجهود الارتقاء به، فإنه يأتي في طليعة القطاعات التي يتطابق نقلها إلى المستوى الجهوي مع متطلبات الحكامة الترابية والقطاعية فـي الوقت نفسـه.
تقرير المجلس الأعلى يؤكد أيضا أن اختـيار توجه الدولة نحو التنظيـم القائم على الجهوية المتقدمة، يعبــر عـن عزمهـا علـى تأهيـل الجهـة باختصاصات أوسع، وتلقي موارد مناسـبة لممارستها، وتصبح بذلك القطب الرئيـس فـي التنميـة المسـتدامة.
بالموازاة مع ذلك، يتعيـن توفير جميع الشروط الضرورية لتمكيـن الجماعات التـرابية من ممارسة الاختصاصات الذاتـية والاختصاصات المشتركة، التي تنص عليها قوانـينها التنظيمية، سواء أكان ذلك في التكويـن المهني، أم في النقـل المدرسي القـروي، أم فـي البحث العلمي التطبيقي، أم روض الأطفال، والمرافق الرياضية، وباقي التجهيزات ذات الصلة.