محمد اليوبي :
رصد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأي أصدره أول أمس الخميس، مجموعة من الاختلالات تشوب تدبير السواحل المغربية، ومنها التلوث، والتعرية الساحلية، ونهب الرمال وتدهور المناظر الطبيعية. ودعا المجلس لتهيئة وتنمية مستدامة للساحل، من خلال إرساء دينامية عمرانية متحكم فيها، تضمن التوازن بين التنمية والمحافظة وتثمين هذه المنظومة.
وأكد المجلس في رأيه، الذي يحمل عنوان «أية دينامية عمرانية من أجل تهيئة مستدامة للساحل؟»، أن من شأن التنفيذ الفعلي لهذه الرؤية أن يؤدي إلى التخفيف أو الحد من الضغوط المتزايدة على هذه المنظومة البيئية الهشة، وتقوية مرونة هذا الوسط الطبيعي، ما ستكون له آثار إيجابية على مستوى النهوض بالحقوق البيئية.
وأرجع المجلس سبب الاختلالات التي يعرفها الساحل إلى تعدد النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة لهذا المجال، وضعف الانسجام بين النصوص المتعلقة بالساحل وآليات ووثائق التعمير. ينضاف إلى ذلك تعدد المتدخلين الذي يعقد حكامة الساحل ويؤثر سلبا على نجاعتها. بالإضافة إلى ذلك، يشكل تدبير العقار، على مستوى المناطق الساحلية، إشكالية كبرى تعرقل مسلسل التخطيط الحضري، بحيث تصعب تعبئة هذا الوعاء العقاري المجزأ بشكل مفرط لاحتضان مشاريع استثمارية مندمجة وذات قيمة مضافة بالساحل.
وأدى هذا الوضع، حسب المجلس، إلى الاحتلال غير المشروع لأجزاء معينة من الساحل، وتوسع المجال الحضري بكيفية غير متحكم فيها، خاصة على طول الشواطئ، بالإضافة إلى تسارع عدد من الظواهر الضارة والخطيرة (التلوث، التعرية الساحلية، والاستغلال المفرط للموارد (نهب الرمال)، وتدهور المناظر الطبيعية وغير ذلك).
وأشار المجلس إلى أن إرساء دينامية عمرانية بالساحل متحكم فيها من أجل تهيئة مستدامة بهذا المجال الطبيعي ستكون له آثار إيجابية على مستوى حقوق الإنسان والتنمية المستدامة بالمغرب، موضحا أن هذا الرأي يستهدف أساسا المديين القصير والمتوسط من خلال إثارة الانتباه إلى ضرورة حماية الساحل المغربي من مسلسل التدهور الذي يعيشه حاليا، بما يمكن من إطلاق تفكير جماعي كفيل بأن يضمن شروط الاستدامة على المدى الطويل لهذه المنظومة البيئية إزاء المخاطر المتأتية من الضغوط البشرية أو من تأثيرات التغير المناخي.
ولتجسيد هذه الرؤية، اقترح المجلس مجموعة من التوصيات وفق محورين يتمثلان في إرساء حكامة تشاركية وفعالة وناجعة للساحل، وإعادة النظر في السياسة المتعلقة بالدينامية العمرانية بالساحل وجعلها مرتكزة على مبادئ التوطين الترابي والمشاركة المواطنة وإعمال حقوق الإنسان الأساسية والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية.
بخصوص المحور الأول، طالب المجلس بتسريع تنزيل مبدأ التدبير المندمج للساحل من خلال تطبيق القانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل، لاسيما من خلال تفعيل آليات التخطيط الخاصة بالساحل، خاصة المخطط الوطني للساحل، والإسراع بإخراج التصاميم الجهوية للساحل، بمبادرة من القطاع الحكومي المكلف بالبيئة أو بطلب من المجالس الجهوية، وملاءمة وثائق التعمير والمخططات والبرامج القطاعية الجهوية والترابية مع القانون المتعلق بالساحل، في انتظار اعتماد التصاميم الجهوية للساحل.
في هذا السياق، حث المجلس على إعادة النظر في حكامة ونمط تدبير المناطق الساحلية بما يسمح بتعزيز التنسيق المؤسساتي، مبرزا أن هذا التنسيق يمكن أن يعهد في بعض المناطق الساحلية ذات الخصوصية لوكالات خاصة، على غرار وكالة مارشيكا، مع إشراك فعال للمجالس المنتخبة.
كما أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإعادة هيكلة الوثائق والتصاميم والمخططات المتعلقة بإعداد وتخطيط التراب والتعمير والساحل، وتسوية المباني المقامة على الملك العمومي البحري أو في المنطقة المحاذية للساحل التي يمنع فيها البناء والبالغ عرضها 100 متر، وهو الأمر الذي يمر من خلال مراجعة الإطار القانوني الجاري به العمل والمتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة، والعمل على تهيئة السواحل بما يتوافق مع المقتضيات القانونية المتعلقة بالساحل، مشددا على ضرورة ترتيب العقوبات القانونية المقررة في حق المخالفات الجسيمة التي تلحق الضرر بالساحل وبالحق في الولوج إلى شط البحر، والقيام بعمليات لتحرير الملك العام.
أما على مستوى المحور الثاني، فقد حث المجلس على وضع جيل جديد من وثائق التعمير، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني والساكنة وإرساء دينامية لإعداد التراب والتخطيط الحضري مرتكزة على الدراسات العلمية ومعايير التنمية المستدامة والتدبير المندمج للمناطق الساحلية، وتطوير آليات تمويلية مبتكرة لتيسير تنزيل وثائق التعمير وتهيئة الساحل (تقاسم زائد القيمة العقارية، تعزيز تدخل صندوق التجهيز الجماعي، وضع آليات للتعويض عن الأضرار).
كما ناشد المجلس بتخويل الجماعات، طبقا لمبادئ الديموقراطية المحلية واللاتمركز الإداري، صلاحيات تقريرية في إعداد وتهيئة المجال الترابي الواقع ضمن نفوذها، والتخطيط الحضري وإعداد وثائق التعمير، وتعزيز التخطيط الحضري بآليات فعالة لتدبير وتنمية العقار تسمح بتحكم أفضل في مسلسل التعمير، وتطوير آليات تمويلية مبتكرة وذلك من أجل تيسير تنزيل وثائق التعمير وتفادي افتقار المدن للتجهيزات اللازمة، ومباشرة عمليات إعادة التأهيل والترميم، خاصة في المناطق الساحلية.
كما دافع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على منح الجماعات مسؤولية كاملة في دراسة الملفات ومنح رخص التعمير عبر الشباك الرقمي الوحيد، والعمل بشراكة مع الجامعات ومؤسسات البحث في إعداد وتنفيذ برامج البحث العلمي متعدد التخصصات حول الساحل، مع الحرص على تشجيع الابتكار التكنولوجي المحلي، وإحداث مرصد للساحل الوطني يضطلع بمهام رصد وتتبع وضعية الساحل وترصيد المعارف المتعلقة به باعتباره آلية مساعدة على اتخاذ القرار.