احتقان الصحة
تتواصل إضرابات قطاع الصحة العمومية، في ظل الحاجة الملحة إلى تعميم التلقيح ومواجهة داء الحصبة «بوحمرون»، والعمل على تجويد الخدمات بالمناطق الحضرية والقروية، وتجاوز مشاكل الاكتظاظ وطول المواعد الطبية بالمؤسسات الاستشفائية العمومية، واختلالات توجيه المرضى وقطعهم مسافات طويلة للعلاج، ما يتعارض والمعايير الطبية المعمول بها والمتعارف عليها عالميا.
إن قطاع الصحة العمومية من القطاعات الحساسة التي لا تستحمل الإضرابات والتوقفات المتكررة، كما لا تستحمل الاحتجاجات اليومية بأقسام المستعجلات، لأنه لا شيء أقسى نفسيا على مريض لا يجد العلاج بمستشفى عمومي، أو يقطع مسافات طويلة ليصل إلى مركز صحي قروي مغلق، كما لا توجد كلمات يمكن بها إقناع أسرة مريض بمبررات الإضراب لتركه يصارع ألمه، علما أن الحق في الصحة من الحقوق الدستورية.
في ظل شل المستشفيات العمومية بسبب الإضرابات، لا يجد المواطن البسيط أمامه سوى التوجه إلى القطاع الخاص لطلب العلاج، رغم ما يكلفه ذلك من مصاريف ترهق كاهل الأسر التي تعيش الفقر والهشاشة، وهو الشيء الذي يزيد الطين بلة، ويرفع من مؤشرات السخط والتذمر من ارتباك وغياب الجودة في الخدمات الصحية العمومية، التي تعتبر هي الأصل وليس الاستثناء.
مع مشاكل الإضرابات وجدل الحق في الخدمات العمومية من جهة والملفات المطلبية النقابية ومطالب التنسيقيات من جهة ثانية، تظهر الحاجة إلى الإسراع بإخراج قانون الإضراب، لما فيه من الصالح العام الذي يجب أن يبقى فوق كل اعتبار، وضرورة الصرامة في تتبع الإنتاج والعطاء في القطاع العام كما هو الشأن بالقطاع الخاص.
إن قطاع الصحة العمومية يعاني في الأصل من قلة الموارد البشرية وغياب الاختصاصات، سيما بالعالم القروي، والإضرابات تزيد من المشاكل المستعصية، بحيث تتضاعف المعاناة مع بعد المستشفيات المحلية، وتحول بعضها إلى محطة توجيه للمرضى والحوامل، ما يتعارض وخدمات القرب ويتطلب مراجعة شاملة للخريطة الصحية.
يكفي أن مشاكل الجائحة وإضرابات قطاع الصحة العمومية تسببت في ارتباك عملية التلقيح وحرمان أطفال من الولوج إلى العلاج، ما شكل خطرا على حياتهم ونتجت عنه وفيات، بسبب وباء «بوحمرون»، بينما الوطن في حاجة إلى تأمين قاعدة الهرم السكاني الذي تآكل وتراجعت نسبة الشباب، ليحل محلها شبح الشيخوخة، وهو الشيء الذي يستدعي تفعيل المحاسبة مع الكثير من العمل والقليل من القول.