شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن «الطوارئ الصحية»

أنس سعدون دكتور في القانون عضو نادي قضاة المغرب
أمام الانتشار السريع لفيروس كورونا، اضطر المغرب إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ عشية يوم الجمعة 20 مارس 2020، بموجب بلاغ أصدرته وزارة الداخلية.
قرار الطوارئ الذي جاء بشكل مفاجئ في بلد لم يعهد تطبيق مثل هذه الإجراءات الاستثنائية منذ عقود، بالنظر إلى حالة الاستقرار السياسي الذي يعرفه، طرح عدة نقاشات قانونية، تمحورت بالأساس في طبيعة حالة الطوارئ المعلن عنها وسندها الدستوري، والسند القانوني لتدخل السلطة القضائية لزجر مخالفيها.

مقالات ذات صلة

حالة «طوارئ صحية» وليست «حالة استثناء سياسية»
أول ملاحظة ينبغي الإشارة إليها، هي أن دستور 2011 لم يتضمن أي إشارة مباشرة إلى حالة الطوارئ، فالدستور يتحدث عن حالتين غير مألوفتين:
الحالة الأولى نص عليها الفصل 74 الذي يتيح إمكانية الإعلان عن «حالة الحصار»، التي تؤدي إلى حلول السلطة العسكرية محل السلطات المدنية في مهام الضبط الإداري، التي تصبح إجراءاتها واسعة وغير مألوفة في الظروف العادية؛ ويتم إعلان هذه الحالة بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة.
الحالة الثانية: نص عليها الفصل 59 الذي يتيح الإعلان عن «حالة الاستثناء»، إذا كانت «حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية»، ويتم إعلان هذه الحالة من طرف الملك بموجب ظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
ولا شك أن هذه المقتضيات لا تنطبق تماما على حالة «الطوارئ الصحية»، التي تم الإعلان عنها بموجب بلاغ صادر عن وزارة الداخلية، مما يجعلنا أمام قرار إداري يدخل ضمن المجال التنظيمي المكفول للحكومة، طبقا لأحكام الدستور.

جزاء مخالفة قرار «الطوارئ الصحية» واحترام مبدأ الشرعية الجنائية
طرح سؤال حول السند القانوني لتدخل السلطة القضائية للزجر، في حالة عدم احترام قرار الطوارئ الصحية؟
باستجماع الآراء التي قدمت يمكن التمييز بين ثلاثة توجهات أساسية:
التوجه الأول: الاستناد إلى مرسوم ملكي يتعلق بالأوبئة لسنة 1967
ذهب أصحاب الاتجاه الأول، إلى أن النص المجرم لخرق قرار «حالة الطوارئ الصحية» موجود، ويتمثل في مرسوم ملكي بمثابة قانون، يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض، ويسند الاختصاص في تدبير الأوبئة إلى وزير الصحة بمساعدة السلطات العمومية، وقد نص في مادته السادسة على عقوبات زجرية للمخالفين، بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أيام وشهرين، وبغرامة يتراوح قدرها بين 40 درهما و2.400 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
لكن بالاطلاع على مضمون هذا المرسوم، يتبين أنه يخاطب أساسا الأطباء والأطر الشبيهة لهم الذين يكتشفون بحكم ممارستهم لمهامهم حالات الأمراض المعدية، ويلزمهم بواجب إخبار السلطات بها، كما أنه يلزم السلطة الطبية للعمالة أو الإقليم بواجب تطهير الأماكن المسكونة والأثاث المستعملة من طرف كل شخص مصاب ببعض الأمراض المحددة بموجب قرار لوزير الصحة، كل ذلك تحت طائلة العقوبة الزجرية المنصوص عليها في الفصل 6 من القانون المذكور.
وبالتالي فإن أي محاولة لتطبيق هذا النص بشكل موسع على حالة خرق قرار الطوارئ الصحية من طرف المواطن العادي، ستعتبر من قبيل التوسع في تفسير النص الجنائي، وهو ما لا يتلاءم مع احترام مبدأ الشرعية الجنائية.
التوجه الثاني: يرى أن خرق قرار الطوارئ الصحية يعتبر بمثابة جريمة العصيان، ويقع تحت طائلة الفصل 308 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن: «كل من قاوم تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي درهم ولا تتجاوز ربع مبلغ التعويضات.
أما الأشخاص الذين يعترضون على تنفيذ هذه الأشغال بواسطة التجمهر أو التهديد أو العنف، فإنهم يعاقبون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة المشار إليها في الفقرة السالفة».
ويؤسس أصحاب هذا الاتجاه رأيهم على خطورة فيروس كورونا والتي تقتضي التزام الجميع بقرار الحجر الصحي، والزجر الصارم لكل مخالفيه، وهو ما يستوجب تشديد العقاب، بما في ذلك تطبيق العقوبات السالبة للحرية.
ويصطدم هذا الرأي بالتفسير الذي أعطاه المشرع الجنائي لجريمة العصيان، والتي تقتضي استعمال «هجوم أو مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية»، كما يصطدم بصعوبة تكييف الأمر المتعلق بالحجر الصحي على أنه بمثابة أشغال أمرت بها السلطة العامة، مما يعني عدم إمكانية تطبيق هذا المقتضى بسلاسة في حالات كثيرة، لا ينجم عن خرق قرار الطوارئ الصحي استعمال عنف أو هجوم ضد الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون.
التوجه الثالث يميل إلى تطبيق البند 11 من الفصل 609 من القانون الجنائي، الذي ينص على أنه: «يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية…11- من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه…».
واستند أصحاب هذا الرأي إلى أن قرار «حالة الطوارئ الصحية»، يعتبر من الناحية القانونية قرارا إداريا صادرا عن سلطة إدارية ممثلة في كل من وزارة الداخلية ووزارة الصحة، كما أن القرار المذكور لم ينص في حيثياته على أي مقتضى من شأنه تحديد الجرائم والعقوبات المرتبطة بخرقه، مما يعني أن خرق قرار الطوارئ الصحية يعد مجرد مخالفة يعاقب عليها بغرامة مالية، وهو ما يتلاءم مع ما ذهبت إليه عدة دول مقارنة تعاقب على خرق قرار الحجر الصحي بغرامات مالية.
لكن إعمال هذا الاتجاه ورغم تقيده بمبدأ الشرعية الجنائية، قد يشجع على عدم احترام القرارات التي تتخذها السلطات للحفاظ على الصحة العامة، في ظرف دقيق، خاصة وأن الغرامات المنصوص عليها في النص المذكور تبقى مخففة.

مرسوم قانون الطوارئ الصحية ينهي الجدل
حسما لهذا الجدل، تدخلت الحكومة في إطار ما يسمح به الفصل 81 من الدستور، وأعدت مرسوما بمثابة قانون يتعلق بحالة الطوارئ الصحية، عاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين على مخالفة الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العامة، تنفيذا لحالة الطوارئ الصحية، كما عاقب بالعقوبة نفسها كل من عرقل تنفيذ هذه القرارات عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه، وكل من قام بتحريض الغير على ذلك.
بقيت الإشارة في الأخير إلى أن هذه المقتضيات الزجرية الجديدة، ستطبق على حالات خرق قرار الحجر الصحي التي سجلت بعد نشر القانون الجديد بالجريدة الرسمية، بتاريخ 24 مارس 2020، احتراما لمبدأ عدم رجعية القانون الجنائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى