الخروج المشرف للمنتخب المغربي من مرحلة نصف نهاية كأس العالم يبقى تجربة غير مسبوقة، لكنها حافلة أيضا بالدروس.
لأكثر من أسبوعين، شغل المغاربة عناوين كبريات الصحف العالمية. لم يسبق ربما لأي منتخب أن أصبح مادة للصحافة الدولية التي اهتمت بعلاقة اللاعبين بأمهاتهم وحماس الجمهور المغربي في المدرجات وخارجها أيضا.
حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الملعب لتشجيع “الديكة” كشف أن فرنسا كانت تعتبر المقابلة أكبر من مباراة في كرة القدم تستوجب خسارة فريق ومرور آخر إلى الدور النهائي.
ورغم أن اليمين الفرنسي يعتبر المهاجرين إلى فرنسا من جنسيات دول جنوب الصحراء أصلا لكل مشاكل اقتصاد البلاد وتراجع مؤشراتها، إلا أن اليمينيين بالأمس لم يمانعوا في الاحتفال وبـ”إسراف” بعد تأهل المنتخب الفرنسي رغم أن أغلب لاعبيه من أصول إفريقية، إما ولدوا في فرنسا لآباء من إفريقيا، أو أنهم جاؤوا إلى فرنسا في قوارب الهجرة السرية ونشؤوا جميعا في أحياء فرنسا الفقيرة، وكانوا دائما خارج أي برنامج تضعه الحكومة الفرنسية، وإلى اليوم هناك آلاف الأسر الفرنسية التي تواجه خطر الترحيل من فرنسا.
«النخبة» الفرنسية لا تعترف أبدا بأفضال الجيلين الأول والثاني من المهاجرين الذين بنوا البلاد من الصفر تقريبا وساهموا في تأسيس اقتصادها. بل تختزلهم في ظاهرة المتشردين والأحياء الهامشية التي تنتشر فيها تجارة المخدرات والأسلحة ومشاكل الاندماج وتربط الأفارقة دائما بارتفاع معدلات الجريمة. فيما الحقيقة أن أبناء هؤلاء المهاجرين يساهمون يوميا في إنعاش الاقتصاد الفرنسي ويسدون الخصاص في المجالات التي لا تزال فرنسا تحتاج فيها يدا عاملة بمعايير لا تجذب الفرنسيين ولا تُثير اهتمامهم. بالإضافة إلى أن كفاءات فرنسية، اليوم، مصدرها الدول الإفريقية وتدير باقتدار كبير برامج حكومية وعسكرية واقتصادية. هؤلاء لا يراهم اليمين الفرنسي ولا يحفل بأخبار تتويجهم داخل فرنسا أو حتى خارجها.
وبالعودة إلى حدث المباراة، فإن بعض أبناء المهاجرين ممن يحظون باهتمام الصحافة الفرنسية، أمثال جمال الدبوز وجاد المالح، المغربيين اللذين يعتبران أيقونتي السخرية والترفيه في فرنسا بدون منازع، كانوا أمام امتحان وموقف لا يُحسدون عليه.
جاد المالح الذي يقيم بين الولايات المتحدة، فرنسا والمغرب، حسم الأمر مبكرا وأعلن أنه سيشجع البلد الذي رأى فيه النور ويقصد المغرب بطبيعة الحال.
أما جمال الدبوز فخاط لنفسه قميصا عجيبا نصفه فرنسي ونصفه الآخر مغربي. في إشارة إلى تمسكه بالبلدين معا، شأنه شأن الكثيرين ممن يحملون جنسية البلدين معا.
لكن الدبوز جر على نفسه انتقادات كثيرة، خصوصا وأن معجبيه المغاربة كانوا ينتظرون منه إصدار قفشاته الشهيرة التي تجعل الفرنسيين ينفجرون ضحكا على أنفسهم وواقعهم الذي يرونه بعيني شاب من أسرة مغربية هاجرت إلى فرنسا.
جمال الدبوز، الذي لاحقته سابقا انتقادات كثيرة بسبب مهرجان مراكش للضحك، خصوصا عندما ظهرت صورة الملصق الخاص به، وهي صورة مركبة طبعا، لكنها غير موفقة ورأى فيها الكثيرون مساسا برمزية مدينة مراكش التي كانت معالمها في صورة الملصق تظهر أسفل حذاء جمال. ورغم أن منتقدي الدبوز حينها لم يكونوا موفقين في تحاملهم على أيقونة السخرية في فرنسا، إلا أنه لم يدبر الأزمة بالشكل المطلوب.
وعندما ظهر أثناء المباراة بقميصه «العجيب»، ولسان حاله يحاكي حال آلاف مغاربة فرنسا الذين كانوا يدركون جيدا أنهم مغاربة بأوراق فرنسية فقط، فإنه جلب لنفسه انتقاد المشجعين المغاربة.
دروس التاريخ كلها، منذ ظاهرة «المحميين» قبل الحماية الفرنسية، تؤكد أن المغربي لا يمكن أبدا أن يصبح شيئا آخر، وحتى لو حمل المغربي جواز سفر بلد آخر، فإنه يبقى مغربيا دائما.
نتيجة المباراة بين المغرب وفرنسا، تحددت في هدفين لصفر لصالح فرنسا التي مرت إلى نهائي كأس العالم بفريق من أبناء المهاجرين والمستعمرات السابقة. ولا ندري هل نهنئ فرنسا بالفوز، أم نهنئ الدول التي استعمرتها فرنسا سابقا وأخذت منها كل شيء، بما في ذلك أقدام شبابها لكي تتأهل بها إلى نهائيات كأس العالم.
يونس جنوحي