اتهام ممرضتين بـ«حرق» امرأة في مستشفى ابن سينا بالرباط
كريم أمزيان
لم تكن (ل.ك) المتحدرة من مدينة الخميسات، تعتقد أن ولادتها الأولى، ستكون مؤلمة، ليس فقط بسبب وجع المخاض والوضع، بل أيضاً بفعل ألم جروح وحروق «خطيرة» في كل أنحاء جسدها. فبمجرد ما يضع الزائرون أرجلهم في بوابة مستشفى ابن سينا في الرباط، القسم الخاص بالولادة، حتى يسمعوا صوت سيدة تصرخ من شدة وجع شديد، اعتاد أطر المستشفى وموظفوه ومستخدموه سماعه، بعدما لم ينقطع منذ أزيد من نصف شهر.
ولادة غير متوقعة
ولجت (ل.ك) المستشفى قبل شهر من الآن، ولم تغادره إلى حدود اليوم. فقد وضعت مولودتها التي غادرت المستشفى رفقة خالتها، فيما هي مازالت لم تبرح مكانها، على الرغم من أن نساء حوامل كثرا، جئن بعدها، وتمت عمليات وضعهن، فغادرن، لكن هي مازلت تنتظر أجلاً غير مسمى، منذ حلولها في الـ 28 من نونبر الماضي.
ولادة (ل.ك) في الرباط، وفق ما حكته لـ«الأخبار»، كانت مستبعدة جداً، بل غير متوقعة أصلاً. فقد حلت ضيفة عند أختها، في المدينة ذاتها، قادمة إليها من الخميسات، في يوم جمعة، بعدما طمأنتها الممرضات أن موعد وضعها لم يحن بعد، ومازالت تفصلها عنه ثلاثة أسابيع.
كانت (ل.ك) سعيدة جداً، خصوصاً أن هذه هي ولادتها الأولى، وحتى تعد لها كل كبيرة وصغيرة، خططت للخروج رفقة أختها من أجل التسوق، واقتناء بعض الأغراض، استعداداً لاستقبال المولود الجديد، قبل أن تفاجأ بألم شديد، فاعتقدت أختها أن ساعة وضعها قد حانت، على الرغم من أن الأطر الطبية في مستشفى الخميسات أخبروها أن موعد وضعها لن يحل إلا بعد ثلاثة أسابيع، وفي الحين نقلتها أختها إلى مستشفى ابن سينا الخاص بالولادة، حيث مازالت ترقد الآن.
بداية المعاناة
تتذكر (ل.ك) أن بداية معاناتها، ستبدأ لحظة ولوجها قاعة توجد فيها نساء حوامل كثر، يخضعن لكشوفات تجريها لهن ممرضات، يقسن لهن درجة انفتاح الرحم، كمعيار لمعرفة ما إن حان موعد الوضع. لما نودي عليها، قامت وذهبت إلى حيث ستجري الفحوصات، بخطى متثاقلة، ظناً منها أن الألم الذي أحست به عادي بسبب حركة الجنين في بطنها، غير أنها اكتشفت أن الألم يصاحبه إفراز سائل أصفر اللون، ما جعل درجة تخوفها تكبر، وزادت بعد قياس درجة الضغط في جسمها، والتي كانت 12/18، قبل أن يفاجئها الطاقم الطبي، بأنها لن تعود مع أختها، بل ستمكث في المستشفى، من أجل الخضوع للعلاج، في انتظار أن يحين موعد الوضع.
لم تجد (ل.ك) التي تحكي لـ«الأخبار» قصتها، ما ستفعله سوى الخضوع لأوامر الطبيب، إذ مرَّ يومها الأول في المستشفى، بحسب ما أكدته، على أحسن ما يرام، حتى إنها لم تبرح مكانها، وظلت تقدم يد العون والمساعدة، لكل النساء اللائي كن بجانبها، ممن اقتربت ساعة استقبالهن مواليدهن الجدد، ترافق هذه وتأخذ بيد تلك وترأف بهاته، في انتظار أن تجد من يقدم لها الخدمة نفسها، حين تكون في أمس الحاجة إليها.
يوماً واحداً بعد ذلك، بدأت حالتها الصحية تسوء، ومع مرور الساعات تزداد سوءاً، فظنت أن الأمر عادي ولا يدعو إلى القلق، وأنه ناتج عن مضاعفات الحمل، واقتراب موعد الوضع، على الرغم من أنها تعلم بحسب ما أخبرتها ممرضة سابقاً، أن ولادتها لن تكون إلا بعد ثلاثة أسابيع، كأقل تقدير، غير أن حالة دوار شديدة أصابتها في رأسها، لم تعد معها تميز الوجوه وتفرق بينها، ما تطلب إخضاعها بشكل عاجل لفحص، جرى إخبارها بعده، أنه يجب عليها وضع مولودها في الحين، لكنها ترددت، ولم تجد بما تجيب به الممرضات، خصوصاً أن أختها التي رافقتها في اليوم الأول إلى المستشفى ذهبت ولم تعد، فيما زوجها، الذي يشتغل سائق شاحنة، غائب لأنه يتنقل بين المدن، كما أنها لم تجد سبيلاً للاتصال بهما، بعد نفاد رصيد هاتفها، فما كان عليها سوى الخضوع لما يراه الطاقم الطبي مناسباً.
حرق بالماء الساخن
تتذكر (ل.ك) وهي تتحدث مع «الأخبار»، البدايات الأولى للحادث، الذي وقعت ضحية له، بأسى كبير، إذ أكدت أنه على الرغم من اعتراضها، كان هناك إصرار من الطاقم الطبي، من أجل أن تلد عبر عملية قيصرية، بمبرر إنقاذ الجنين الذي لم يعد يحتمل البقاء في رحمها، ما جعلها تستسلم لهم. حملوها إلى غرفة العمليات، وفيها وضعت بنتها عبر عملية قيصرية، في حوالي الثانية صباحاً، أربعة أيام بعد حلولها بالمستشفى.
تفاجأت (ل.ك) في صباح اليوم الموالي، وفق ما أوضحته لـ«الأخبار»، بعدم قدرتها على المشي، على الرغم من محاولاتها الحثيثة، وهو ما تكرر يوماً واحداً بعد ذلك، ما جعل طاقماً طبياً، يقرر نقلها إلى غرفة العمليات، حيث تم علاجها، ليتم تحويلها بعد ذلك إلى قسم الإنعاش والتخدير، وفيه وجدت صعوبة في التنفس، فاستعانت بآلة أوكسجين، إلى أن أغمي عليها مدة طويلة، بناء على ما حكاه لها مقربون منها، إلى أن استفاقت ووجدت نفسها في غرفة أخرى وجسدها مرتبط بآلات عدة.
لم تفهم حينها (ل.ك) وضعها، وما يجري حولها، ولما سألت أحد الأطباء، أخبرها أن ميكروباً تسرب إلى رئتها، وهو الذي خلق لها مشكلاً في عملية التنفس، اضطرت إثره إلى الاستعانة بمروضة طبية ساعدتها في القيام بذلك، في الوقت الذي مازال جرح العملية القيصرية لم يندمل بعد، إذ استمر وضعها على النحو ذاته، لأزيد من 15 يوماً، مستلقية على ظهرها، دون أن تجد أي تحسن في حالتها الصحية.
طيلة المدة التي قضتها وهي في الوضعية ذاتها، أكدت (ل.ك) أنها كانت تقتات من الأنابيب التي ربطت بجسمها فقط، وكانت تقضي حاجتها في السرير ذاته، مستعينة بحفاظات، لا تكفيها منها علبة من الحجم الكبير في اليوم الواحد، بسبب إصابتها بحالة إسهال حاد، ما يجعل تدخل الممرضات واجبا في هذه الحالة، إذ أشارت إلى أن بعضهن كن يعتنين بها، فيما أخريات يطلبن منها أن تقوم إلى المرحاض، على الرغم من أنها لا تقوى على الحركة، إلى أن جاءها في 16 دجنبر الجاري، الذي صادف يوم أربعاء، طبيب وممرض، فطلبا منها مغادرة القاعة التي كانت ترقد فيها، بقسم الإنعاش والتخدير، والانتقال إلى أخرى في القسم نفسه، فساعدها ممرضان في خطواتها الأولى، إلى تمكنت من المشي لوحدها بسهولة، بعدما كانت لا تقدر على ذلك، بعد خضوعها للعملية القيصرية، ولما عادت إلى مكانها، طلبت منها ممرضتان الذهاب إلى المرحاض من أجل أن تقضي حاجتها، بعدما نادت عليهما من أجل أن تساعدانها، ولما انتهت حاولت العودة إلى مكانها، إلا أنهما أصرتا على أن يرافقاها إلى الحمام حتى يساعدانها في تنظيف جسدها بالماء الدافئ، فولجته بمساعدة منهما، غير أنهما لم يقدرا على مساعدتها على الوقوف، فسقطت أرضاً في الوقت الذي كان صنبور المياه مفتوحاً لينسكب عليها ماء ساخن بدرجة حرارة مرتفعة جدا، ما تسبب لها في جروح «خطيرة» في جسدها.
لم تتمكن الممرضتان اللتان تشتغلان في قسم الإنعاش والتخدير، وفق ما أكدته (ل.ك) في تصريحاتها لـ «الأخبار»، من إنقاذها أو إزاحتها من تحت الماء الساخن، أو إقفال الصنبور، بل وقفتا تسمعان صراخها، متصلبتين من هول الصدمة، إلى أن سمع ممرض صراخها، فدخل عليها الحمام وهي عارية، فحملها بسرعة، لكن بعد أن أصيبت بحروق في يديها وبطنها وفخذيها ورجليها، ثم حملها إلى سريرها، وهي تتأوه من شدة الألم، فطلبت منهم مدها بدواء مسكن، يوقف وجعها، إلا أنهم بحسب ما أوردته، طلبوا منها الاتصال بزوجها من أجل أن يقتنيه لها، وما كان عليها سوى انتظار حوالي أربع ساعات، إلى حين وصول زوجها، الذي فاجأه مظهرها، قبل أن يطالبها المسؤولون يوماً واحداً بعد ذلك، بمغادرة الغرفة التي كانت ترقد فيها، بمبرر أن الطاقم الطبي الذي يوجد في الجناح الذي توجد فيه، لن يتمكن من تقديم أي خدمات لها، لأنه ليس تخصصه.
مصادر طبية: الوضع صعب للغاية
الوضع الذي تعيشه (ل.ك) بحسب مصادر طبية، صعب للغاية، وفق ما أكدته الضحية، ما جعل طبيبة تطلب نقلها مجدداً إلى جناح الولادة، الذي تشرف فيه على النساء اللائي يرقدن فيه، وهناك تخضع للعلاج، على الرغم من أنها أكدت أنها تعاني إهمالاً طبياً وتقصيراً كبيراً من قبل من طاقم المستشفى، فجرح العملية القيصرية لم يندمل بعد على الرغم من مرور شهر على الولادة، فيما الحروق مازالت كما هي، مؤكدة أن «لا أثر لتحسن حالتها، في الوقت الذي تزاولان مهامهما بكل حرية، دون أن تتعرضا لأي عقاب، رغم أنهما حولتا حياتها إلى جحيم».
مصادر طبية رفضت كشف هويتها، أكدت لـ«الأخبار»، أن (ل.ك) تعاني من جرح العملية القيصرية، الذي لم يعالج بعد، في وقت ولجت نساء بعدها المستشفى، ووضعن مواليدهن وغادرنه، فضلاً عن الحروق التي أصابتها في كل أنحاء جسدها، والتي لم تجد بم تعالجها، بسبب حالتها الاجتماعية الصعبة، إذ أوضحت أنها أكملت شهراً كاملاً في المستشفى، هي وزوجها الذي غادر عمله من أجل أن يرعاها طيلة اليوم، من الثامنة صباحاً إلى العاشرة ليلاً، في حين أن بنتها (المولودة الجديدة)، ترعاها أختها، على الرغم من قصر ذات يدها، حتى إنها وفق ما علمته «الأخبار»، أصيبت هي الأخرى بمرض في الأمعاء، بحسب تصريحات أمها (ل.ك)، وذلك بسبب عدم استعمالها نوعاً واحداً من حليب الرضاعة، إذ كل مرة يأتونها بنوع يختلف عن سابقه، وهو ما تسبب لها في مضاعفات عجلت بنقلها إلى هي الأخرى إلى المستشفى.