مضامين غير مسبوقة ترسم الخطوط الحمراء وتقيد حرية الرأي والتعبير والحق في الاختلاف
الأخبار
أصدر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وثيقة تنظيمية، موجهة إلى أعضاء الحزب في أفق التحضير للمؤتمر الحادي عشر.
الوثيقة التي تبرأ منها بعض أعضاء المكتب السياسي، بينما اعتبرها آخرون نتيجة حتمية لاستمرار وانفراد الأمين العام نبيل بنعبد الله، «وحوارييه» المنتفعين بموقعه في خنق النفس الديمقراطي، تعتبر سابقة خطيرة تؤسس لتأصيل التحكم كممارسة للضبط داخل حزب تقدمي حسب منسق تيار «سنواصل الطريق» عزالدين العمارتي، الذي أكد أن الوثيقة تحمل نوايا تحكمية واضحة، واتجاه نحو إقبار حرية التعبير داخل حزب يساري عريق، حيث يتم الإيحاء من خلال هذه الوثيقة، للمناضلات والمناضلين، أن الحزب وهويته في خطر، لتبرير خنق الديمقراطية الداخلية بخلق عدو وهمي هلامي يهدد استقلالية القرار الحزبي وهويته، بينما الواقع يؤكد أن الأمين العام هو من أجهز على استقلالية القرار الحزبي وشوه هويته بتغيير ديمغرافيته عبر إبعاد خيرة مناضليه، ممن يحملون جينات هوية الحزب وتحويله لهيكل فارغ يملأه عند الحاجة للحفاظ على مكانته وخدمة مصالحه الشخصية.
الوثيقة الداخلية التي تم تعميمها تحت عنوان «مداخل للتفكير والنقاش» وتتوفر «الأخبار» على نسخة منها، تتضمن مقترحات وأفكارا تمهد للهدف الأساسي، وهو تعبيد الطريق لنبيل بنعبدالله للاستمرار على رأس الحزب لولاية رابعة، بعد أن قضى 12 سنة في الزعامة، كما أن إصدار هذه الوثيقة يكرس أزمة عقم داخل الحزب، بعد أن بات المكتب السياسي، وتحديدا «النواة النفعية» هي مصدر إنتاج وتوجيه للبوصلة الحزبية، بما يخدم أجندتها، وذلك على قاعدة توزيع مصلحي للأدوار يقوم على إشباع المصالح المادية والاعتبارية للثلاثي الذي يسير الحزب.
وثيقة «مداخل للتفكير والنقاش» تحدثت عن التوجه إلى المؤتمر الحادي عشر «برؤية واحدة موحدة وبمقاربة متوافق حولها بشكل عريض»، وهي رسالة إلى تيار «سنواصل الطريق» الذي يطالب بتحرير الحزب من الوصاية على الأفكار والأشخاص، ويطالب بالمحاسبة والتداول، وبإشراك مؤسسات الحزب في اتخاذ القرارات، وبإبعاد التيار النفعي الذي يقود الحزب إلى الهاوية.
الوثيقة ذاتها تضمنت الدعوة إلى تعديل القانون الأساسي لضمان «الانضباط الحزبي»، كما روجت لأول مرة لطرق الاشتغال الحديثة الواجب اعتمادها من قبل الهياكل الحزبية، وكيفيات إخضاع هذه الأخيرة للمحاسبة والمساءلة، وإلى التغيير إن دعت الضرورة إلى ذلك. هذا الشرط يضع الهياكل والتنظيمات المخالفة لرأي الحزب تحت رحمة التغيير والإقصاء وهو إجراء لا وجود له في القوانين الأساسية للأحزاب، كما يمثل أقصى درجات «التحكم»، الذي ظل بنعبد الله يشتكي منه لخمس سنوات رفقة شريكه عبد الإله بنكيران.
ومن بين المقترحات التي تضمنتها الوثيقة، وشكلت صدمة لأعضاء الحزب، حديث الوثيقة عن «وضع مساطر واضحة ودقيقة يتعين احترامها في حالة الرغبة في التعبير عن الاختلاف أو المعارضة إزاء التوجه الحزبي الرسمي المعتمد بالتقيد بالمسالك الديمقراطية الحالية أو تلك التي يمكن استحداثها مستقبلا»، وهو ما يكشف النية لوضع قيود في النصوص القانونية لاستعمالها عند الحاجة، من قبيل التلميح الذي تمضنته الوثيقة ذاتها بخصوص التعبيرات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن بين الانتقادات الموجهة للوثيقة التي يروم بنعبد الله فرض مقتضياتها لكسب رهان الولاية الرابعة، فرض شروط دقيقة من أجل الترشح للهيئات القيادية الوطنية، علما أن السياق السياسي الداخلي للحزب يستوجب الوضوح في التأكيد على انسحاب الأمين العام، وإعلان موقف واضح بخصوص ترشح للأمانة العامة الذي يواجه بموجة رفض.
وتفاعل أعضاء الحزب مع الوثيقة التي خرجت إلى الوجود منذ منتصف الأسبوع الماضي، ووصفت مضامينها بـ«الخطيرة وغير المبررة بالنظر إلى مرجعية الحزب التقدمية وانتمائه لليسار»، خاصة وأن دوافع صياغتها محكومة بهاجس «التحكم والضبط» ورسم خطوط حمراء لمناضلي الحزب، في الوقت الذي يوجه بنعبد الله مدفعيته باستمرار للدولة ومؤسساتها، كلما تعلق الأمر بتحليل المؤشرات السياسية والحقوقية، لكن ذلك لم يمنعه من اقتراف فضيحة تتعلق بإنتاج وثيقة مداخل للنقاش والتفكير التي تحيل على وثائق وأدبيات حزب البعث في الأزمان الغابرة.