اتفق العرب على ألا يستفيقوا
اتفق العرب على ألا يتفقوا خلال الانتخابات الأخيرة للاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث اندلعت معركة أصوات بين الأمير علي بن الحسين الأردني والشيخ سلمان إبراهيم البحريني، وتصدى كل طرف لغريمه وكأن الانتخابات منحصرة بين اثنين لا ثالث لهما، حينها انسل المرشح السويسري إينفانتينو مستغلا شتات العرب وانشغالهم بنظم قوافي الهجاء في ما بينهم ونال عن «دراجة واستحمار» منصب رئيس إمبراطورية الفيفا.
أخلف العرب فرصتهم مع التاريخ، حين رفضوا المساعي التي حاولت توحيد الصفوف والوقوف خلف مرشح واحد، رغم أن لهم دينا واحدا ولغة واحدة ومصيرا مشتركا واحدا وشهية مشتركة للشتات، فقد رفض المرشح البحريني التنازل للأمير الأردني فتدخلت السياسة لتحسم الخلاف يوم الاقتراع. حيث منحت سوريا والعراق واليمن وفلسطين وإيران أصواتها للأردني نكاية في جيرانهم، وتبين أن الوحدة العربية والإسلامية قد انتهت صلاحيتها برحيل القومجيين.
في الجولة الثانية من الانتخابات ابتلع المرشح الأوروبي السويسرى إنفانتيو الأصوات التي سبق أن حصل عليها الأمير علي بن الحسين، في محاولة لرد الصاع صاعين للشيخ سلمان، الذي اشتكى بدوره من خيانة العرب الذين وعدوه بأصواتهم فتبين أنهم فعلا منحوا صوت حناجرهم لنصرته وحين وقفوا أمام صندوق الاقتراع قالوا في قرارة أنفسهم: «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ربنا إنك غفور رحيم». بل إن بعض ممثلي الاتحادات العربية منحوا صوتهم في الجولة الأولى للأمير الأردني وفي الجولة الثانية للشيخ البحريني، وكانوا من أول المهنئين لرئيس الفيفا الجديد.
أعد سلمان وعلي حملتهما الانتخابية كما يعد الطهاة عشاء التأبين، حيث الغاية تبرر الوسيلة، وتبين بعد الانتهاء من تناول الوجبة أن الكثير من الحاضرين غادروا الموائد قبل قراءة الفاتحة وختم الأدعية، بل إن العرب يفضلون في كل حملاتهم الانتخابية مخاطبة بطون المصوتين لا عقولهم، أما المرشح الأوربي فكلفته الحملة رحلات بسيطة وبضعة اتصالات هاتفية ومباحثات فايسبوكية ونقاشات على الواتس آب.
عبرت الصحف الجزائرية عن سعادتها بنجاح جياني إنفانتينو، واعتبره محمد راوراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، انتصارا للكرة الجزائرية وفوزا للدبلوماسية الكروية، نظرا للصداقة التي تجمع إنفانتينو بالكرة الجزائرية حيث زار الجزائر في أولى محطاته ضمن حملته الانتخابية، وتابع مباراة الجزائر أمام تنزانيا، لكن الغريب في النازلة أن وزير الرياضة الجزائري سبق أن وعد الأمير الأردني بمنحه صوت الجزائر، لما يربط علي بهذا البلد من مصاهرة، إذ أن ريم العلي حرم الأمير هي ابنة رجل السياسة الجزائري ومبعوث الأمم المتحدة السابق الأخضر الإبراهيمي، لكن المرشح الأردني اعتقد أن رابطة الدم ستنفعه يوم التصويت، وحين استفسر وزير الرياضة عن سر تغيير الموقف ابتلع سلال لسانه، ونصحه بالاهتمام بتطوير الكرة الأردنية وذكره بأن الصدقة في المقربين أولى.
ما أن استفاق الشيخ سلمان من صدمة الهزيمة حتى هيأ له مساعده في شؤون الانتخابات خطبة عصماء، هدد فيها بالكشف عن المتآمرين على الوحدة العربية، وطالب من شعرائه نظم قصيدة الخذلان، بينما بايع ما تبقى من فلول الفكر القومي علي بن الحسين خليفة لجمال عبد الناصر وعبد الرحمن الكواكبي ومعمر القذافي وما تبقى من طيف الحالمين الذين عفا الزمان عن توصياتهم.
بكى الأردنيون والبحرينيون على اللبن المسكوب، ودعا أحد الموالين لعلي إلى عقد قمة عربية لوزراء الرياضة العرب، وتلقينهم دروس الإجماع، والدعوة لإحياء عظام الاتحاد العربي لكرة القدم وهي رميم.
الآن يمكن أن نفهم سر القرار الشجاع الذي اتخذه ملك البلاد محمد السادس، حين طلب من جامعة الدول العربية إعفاء المغرب من تنظيم مؤتمر القمة العربي، لأنه غير مستعد للمصادقة على توصيات كتبت سلفا بحبر جبر الخواطر، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة، وقبل مغادرة البلاد يقضي الضيوف ليلتهم الأخيرة في الرقص على الوحدة ونص.