شوف تشوف

الرئيسية

ابن مهندس يستلهم الكوميديا من طفولته في آسفي

حسن البصري
بعد رحيل الفنان ميشيل غلابرو، الفرنسي الجنسية المسفيوي المولد والنشأة، خصصت له مهرجانات عديدة جوائز باسمه، وأصبح أحد مسارح باريس يحمل اسمه، كما تذكرته آسفي في مهرجانها الدولي للسينما والأدب وخصته بتكريم بعد ثلاث سنوات على وفاته.
بين ميشيل وآسفي علاقة وجدانية راسخة، فلم يكن يخلف الموعد مع حاضرة عبدة كلما استعاد سيرة حياته. ولد ميشيل غلابرو في آسفي يوم 27 أكتوبر 1922، كان والده قد حل بالمغرب بدعوة من سلطات الحماية الفرنسية لوضع تصميم لميناء آسفي، وفي سكن وظيفي ولد ميشيل وشقيقاه وعاشوا طفولتهم في المدينة غير بعيد عن شاطئها. الشقيق الأكبر مات وهو يافع بسبب مرض مفاجئ، والثاني مارك أصبح طبيبا ومات قبل غلابرو بمدة قصيرة. وبعد وفاة ميشيل وضعت لائحة تذكارية على البيت الذي شهد ميلاده، ما منح لهذا المسكن قيمته كذاكرة لمدينة أنجبت العديد من المبدعين.
في طفولته كان الفتى شغوفا بكرة القدم، وكان يرافق والده بول إلى الملعب، حيث كان يمارس هذه اللعبة، وهو ما جعل ميشيل يحلم بمستقبل كروي، إلا أن شقاوة الطفولة غيرت مساره نحو الكوميديا التي مارسها في البيت والمدرسة والشارع. وعلى الرغم من مساره الفني إلا أن عشق الكرة سكنه، فحوله إلى حب جارف لنادي أولمبيك مارسيليا.
يتحدث ميشيل عن طفولته في المغرب باعتزاز، كان يشعر في آسفي بحرية أكثر، «لم يفهم ميشيل كيف أن عليه الالتزام بأوقات محددة في نظام مدرسي صارم فور انتقاله لفرنسا، وهو الذي عاش سنوات طفولته في المغرب غير ملزم بشيء، ينام ويستيقظ ويلهو ويلعب ويكتشف ويأكل ويسيح في شساعة بلاده دون قيد أو شرط. لم يفهم لماذا عليه أن يفتح عينيه كل صباح على ضباب «النورموندي»، هو الذي داعبته الأشعة الدافئة لشمس مدينة آسفي، وباديتها طيلة سنواته الأولى في الحياة»، كما يقول شادي عبد الحميد الحجوجي.
كانت طفولة ميشيل في آسفي حاضرة في كثير من أعماله الساخرة، بعد أن اختار مهنة التمثيل، بدفع ذاتي استمد عنفوانه من لحظات طفولة مغربية عاشت معه، وحين زار آسفي تخلص من خفة ظله وبدا جادا صامتا أمام معابر طفولته.
عرفه الجمهور الفرنسي والمغربي أيضا بدوره الكوميدي «لادجودان جيربير»، ضمن سلسلة أفلام لوي دو فينيس، وبرع في فن ساخر مكنه من العديد من الجوائز، خلال مسار أنهاه برصيد يفوق مائتي فيلم سينمائي أبرزها «دركي سان تروبيز» علما أنه كان يخشى في طفولته رجال الدرك، وأنه شارك في الحرب العالمية بعد تجنيده رغما عنه في ألمانيا وهو يافع.
كان يريد أن يشتغل في المسرح، لكن والده ظل يرفض هذا الطرح ويصر على أن يجعل منه مهندسا أو طبيبا، لكن حسه الكوميدي كان يدفعه نحو الفن، الذي صنع فيه مجده، كما جاء في سيرته الذاتية «لا أعرف قول لا»، وفيها تحدث عن الموت وقال إن الاستعداد للموت يأتي بكتابة تاريخ، مضيفا أن «أفضل طريقة للموت هي أن يغادر المرء هذه الدنيا وهو نائم». مات ميشيل فعلا أثناء نومه، بنفس السيناريو الذي تمناه.
مات ميشيل عن عمر يناهز 93 سنة، شعر بعزلة غريبة حين فقد عزيزين: زوجته كلود وشقيقه مارك، وهو ما دفعه إلى اعتزال الفن ودخول مرحلة اعتكاف استثمرها في وضع اللمسات الأخيرة على سيرته وكأنه كان يجلس في غرفة انتظار الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى