حمزة سعود
كيف وضعت مدينة ابن سليمان، الواقعة بين الرباط والدار البيضاء، العاصمتين الإدارية والمالية، والتابعة لأكبر جهة اقتصادية ومالية في البلاد، عقاراتها وثرواتها في المزاد العلني؟ ولماذا يدق فاعلون سياسيون وجمعويون ناقوس الخطر بخصوص ثروات الإقليم الطبيعية التي تتعرض للاستنزاف والتخريب أمام صمت الجهات المعنية في غياب الالتزام بتصاميم التهيئة. وكيف كادت جمعية سلالية أن تحصل على حكم قضائي نهائي بامتلاك مدينة بنسليمان بكاملها بدعوى أن كل البنايات المتواجدة فوق ترابها في ملكيتها؟
في هذا الربورتاج تكشف “الأخبار” حصيلة سنوات من تولي المجلس البلدي الحالي، وباقي المجالس قبله، لتنمية وتأهيل المدينة، بعد استثمارات رصدت لها الملايين في بناء مسبح وسوق وملاعب للقرب وفضاءات أخرى..
سجلت “الأخبار” وجود تداخل، وتناقض أحيانا، في تصريحات المجلس الجماعي وكذا مواقف عدد من الجهات، بخصوص سير المشاريع. ففي الوقت الذي يشير فيه نائب الرئيس، أحمد بلهيلالي، إلى غياب السيولة الكافية من أجل تأهيل بناية سوق حي لالة مريم المخصص لاستيعاب الباعة المتجولين بالمدينة، يكشف رشيد جويبر، رئيس لجنة المالية والميزانية، إحالة المشروع على المجلس الإقليمي وعمالة ابن سليمان من أجل إيجاد الحلول اللازمة لاستئناف الأشغال بعد توقفها بسبب غياب السقف وتأهيل الجنبات.
سوق نموذجي بدون سقف ومدينة للحرفيين مع وقف الصرف
مشروع السوق الخاص بالباعة المتجولين، التابع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وُضع له دفتر تحملات، ورغم تمكن المجلس الإقليمي من تخصيص مبلغ مالي إضافي لإتمام الصفقة، إلا أن دورية وزير الداخلية المرتبطة بترشيد النفقات، وحث الجماعات والمجالس على عدم صرف النفقات غير الملتزم بها تؤخر عمليات إعادة التأهيل، لأنه، حسب المجلس الجماعي، فالاعتمادات المالية مرصودة وجاهزة.
حملنا هذه المعطيات إلى المجلس الإقليمي، لمعرفة تفاصيل توقف المشروع، بحيث يشير خليل الدهي، رئيس المجلس الإقليمي، إلى أن السوق حظي بمساهمة المجلس الإقليمي بأزيد من 6 ملايين درهم، مليونان منها تم تخصيصهما للسقف، و4 ملايين درهم خصصت لتأهيل المساحة الخارجية، بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلا أن مكتب الدراسات، حسب المجلس الإقليمي، أجرى دراسة مجانبة لواقع الإنجاز، بعد أن صدرت ضمن تقاريره كلفة جد منخفضة خصصت للبناء، علما أن الأشغال تتطلب أكثر من المبلغ المحدد في الوثائق.
المجلس الإقليمي يشير إلى أنه تم إطلاق طلبات عروض، مرتين على التوالي، ولم تلتزم شركتان بالإنجاز لاعتبارهما أن 200 مليون سنتيم كقيمة مالية غير كافية. ولتجاوز ذلك راسل عامل الإقليم وزارة الداخلية وفق مصادر «الأخبار» بشأن المشروع للحصول على دعم مالي من أجل استئناف الأشغال من جديد وتدارك مشكل السقف.
مشروع آخر هو مدينة الحرفيين تبخر، بعد أن رصد لها غلاف مالي قيمته 536.6 مليون درهم، وعلى امتداد 5 سنوات، وضع المشروع ضمن المخطط الجهوي للمديرية الجهوية للصناعة التقليدية بالجهة المحذوفة (الشاوية ورديغة)، حيث تم حذف إقليم خريبكة الذي كان المنتفع الأكبر من المشروع بعد أن أصبح ضمن جهة بني ملال خنيفرة، بينما باقي أقاليم الجهة ضمت إلى جهة الدار البيضاء سطات.
المستثمرون كان يفترض أن يساهموا بمبلغ 303,6 ملايين درهم في الغلاف الإجمالي للمشروع، بدعم من الوزارة الوصية، التي كانت تضغط بقوة من أجل المصادقة على المشروع من طرف المجالس الإقليمية والمجلس الجهوي وغرفة الصناعة التقليدية، دون اقتناع المنتخبين.
وخلال تلك الفترة، فرضت المديرية الجهوية للصناعة التقليدية على المجلس الإقليمي المساهمة بمبلغ 4.3 ملايين درهم، وعلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالجهة بمبلغ 27.6 مليون درهم، بعد أن كانت مشاريع أخرى ضمنها هذا الأخير مبرمجة بمنطقة أبي الجعد بإقليم خريبكة.
مدينة الحرفيين ليست وحدها ما يستأثر باهتمام المهنيين بالمدينة، فالمركب الحرفي الذي سبق وتمت المصادقة على إنجازه من طرف مجلس بلدية ابن سليمان والمجلس الإقليمي، يعتبر بدوره من المشاريع الغامضة بشهادة المنتخبين والصناع المعنيين، بسبب عدم تحديد مكان ومساحة الوعاء العقاري وعدد المستفيدين ونوعيتهم، وقيمة المساهمة الخاصة بهم.
مياه جوفية تعرقل مشروع المركب الثقافي
كل شيء في جنبات بناية المركب الثقافي لا يوحي بالشروع قريبا في استغلاله، رغم تحرك عجلة الأشغال في الشارع الرئيسي المحاذي، في اتجاه غابة الزيايدة. تم احتلال دار الثقافة من طرف مسؤولين بعمالة بنسليمان، منذ وقت سابق وتم تحويلها إلى منصة للشباب تابعة لها. لتبقى آمال الفنانين ومعهم الساكنة بالمدينة معلقة على هذا الفضاء المعلقة أشغاله.
يشير المجلس الإقليمي إلى أنه شريك في المشروع، ساهم في أشغال بنائه بأزيد من 200 مليون درهم خلال جل مراحل الإنجاز، إلا أن المكان الذي احتضن المركب بني فوق أرض بها مياه جوفية بكمية وفيرة صعبت من سير الأشغال بالفضاء.
المجلس الإقليمي يشير إلى أن كلفة إنجاز المشروع ارتفعت بسبب هذه المياه الجوفية التي تم اكتشافها، في ظل مراسلات حالية بين المجلس الإقليمي وعامل الإقليم للإشراف على جل مراحل التتبع بغاية تسليم المشروع إلى الساكنة في أقرب الآجال.
المجلس البلدي من جهته يشير إلى أن المركب الثقافي المحدث، تتجاوز نسبة إنجازه 95 في المائة. المركب تابع لوزارة الثقافة، ومساهمة المجلس البلدي فيه تتجاوز مليوني درهم، بعد أن استنزف محول كهربائي جانبا مهما من ميزانية الإنجاز.
المجلس البلدي يشير أيضا إلى وجود مشروع تابع لعمالة ابن سليمان من أجل تأهيل الأرضية الرملية المحيطة بجنبات المركب الثقافي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بحيث ينتظر الإعلان عن صفقة لتدبير هذا المرفق العمومي، خلال الأسابيع المقبلة.
القطعة الأرضية التي بني فوقها المركب الثقافي كانت تستغل قبل سنوات في ممارسة رياضة كرة القدم من طرف شبان حي الحدائق وأبناء أسر الجنود وأفراد القوات المساعدة، المحاذية إحدى ثكناتها العسكرية للفضاء.
قصر المؤتمرات الذي كاد أن يتحول إلى فندق
يشير المجلس البلدي إلى أن بداية تشييد قصر المؤتمرات، أو مقر البلدية سابقا، تعود إلى سنة 1996. المجلس البلدي اكتفى بمقره الحالي، ويفكر في إعادة تأهيل مقر الباشوية، في ظل موقعه الاستراتيجي. وعهد بإنجاز دراسات خاصة بالتأهيل إلى إحدى الشركات من أجل تجديد البناية، وتحديد مدى إمكانية ذلك، بعد رصد 600 مليون سنتيم (4 ملايين درهم من شركة العمران ومليوني درهم من المجلس البلدي) لإعادة التأهيل وفق معايير ومواصفات إدارية، في مستوى انتظارات الساكنة.
الأشغال توقفت بقصر المؤتمرات سنة 1997، بعد أن صرفت أزيد من 500 مليون سنتيم لبناء مقر البلدية على امتداد 2000 متر مربع، بعد الاستغناء عن خدمات وزير الداخلية السابق إدريس البصري. لتنقل إدارة العمالة في ما بعد إلى الكنيسة المتواجدة بحي الحدائق، وبعدها إلى المقر الجديد.
أوقفت وزارة الداخلية، حينها، صرف باقي الغلاف المالي المخصص لها، وظلت البناية مفتوحة لكل من هب ودب. تم التوافق قبل سنتين على أن يكلف صاحب تجزئة بالمدينة ومالك كولف المنزه، بإتمام أشغاله. وفق تعاقد رسمي، مقابل الترخيص بالاستثناء الذي حظي به من أجل إنجاز مشروعه السكني. ولو أن لسكان ابن سليمان والفعاليات المدنية والحقوقية رأيا آخر في هذا الاستثناء الذي مكنه من احتلال نصف شارع وتحويله إلى 18 عمارة تجارية بثلاثة طوابق. وحرم بالمقابل سكان حي لالة مريم من حقهم المشروع في شارع مزدوج الطريق بعرض 30 مترا. كما مكنه من الفوز بإعفاء ضريبي لمبلغ الضريبة على الأراضي غير المبنية تجاوز 900 مليون سنتيم. إلا أنه لا شيء أنجز، بعد أن انطلقت الأشغال بدون ترخيص من المجلس البلدي، الذي طالب فقط بوضع دفتر للتحملات لكي لا تكون الأشغال عشوائية، ولكي تكون هناك مراقبة للتصاميم ومدى جودة المواد المستعملة. ولكي يقف المجلس على المبلغ المالي الذي يصرف بالضبط، ويتمكن من الحصول على مقر بالمواصفات اللازمة. كما كانت البناية على وشك التفويت لأحد المستثمرين من أجل تحويلها إلى فندق.
نادي كرة المضرب… مرعى لقطيع الغنم
تزامن تاريخ إنجاز هذه الزيارة الميدانية مع نهاية الأسبوع. قطيع من الغنم وحده يتحرك داخل نادي كرة المضرب، وثلة من المتشردين أغرتهم الخلوة بالاستمتاع بكمية من المخدرات. أقفال تستقبل المارة والوافدين وتمنع عنهم زيارة الفضاء الذي تحول إلى وكر لترويج واستهلاك المخدرات ونقطة تجمع للصوص والمتربصين بالسكان ليلا.
نادي الحدائق لكرة المضرب يتكون من بناية من طابقين بها مقهى وقاعة للندوات وحديقة وفضاء لألعاب الأطفال وملاعب لممارسة رياضة التنس. تدهورت أوضاع النادي مباشرة بعد وفاة محمد بيش الرئيس المسير، وبعد سحب رخصة بيع الخمور في داخله. الساكنة تشير بأصابع الاتهام إلى المجلس البلدي بشأن مآل هذا الفضاء الذي كان يغري شباب المنطقة وحتى الرياضيين من مدن مجاورة، بينما يعلق المجلس البلدي على ذلك معتبرا أن السكان يسيئون إلى هذا الفضاء ويعرضونه للتخريب في غياب مستثمرين لهم غيرة على واقع الرياضة بالمدينة.
نادي الحدائق لكرة المضرب بني سنة 1982 فوق أرض تابعة للأملاك المخزنية على مساحة بلغت حوالي هكتار. عملية البناء والتجهيز ساهمت فيها كل من مندوبية الإنعاش الوطني وعمالة ابن سليمان وبعض كبار الجيش، والمحسنون. ويبدو أن عمليات البناء تمت بطرق غير قانونية، فمديرية الأملاك المخزنية مالكة العقار تعتبره أرضا عارية، بعد أن تأسست جمعية بشكل غير قانوني كانت تشرف على تدبير الفضاء واعتُبرت فاقدة للشرعية.