ابحث عن الكرة
حسن البصري
لم ينس حكام الجزائر تصريح الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، حين ندد باستقبال الرئيس التونسي لقيادي البوليساريو، فمنعوه من حضور «القمة» العربية التي انطلقت أشغالها على إيقاع الانقسامات.
لم يتلق البكوش دعوة من الجزائر، كما هو متعارف عليه، رغم أن اتحاد المغرب العربي عضو ملاحظ في جامعة الدول العربية، بالمقابل، بررت الجزائر عدم دعوة المسؤول المغاربي بانتهاء مدة ولايته. رغم أن التمديد الانتخابي اختصاص جزائري و«ماركة» مسجلة باسم جيراننا، منذ أن بحثوا لرئيسهم الراحل عبد العزيز بوتفليقة عن ولاية خامسة تجعله كائنا سرمديا، لولا الموت.
فضل البكوش الصمت عملا بالمثل الشعبي القائل: «لي جا بلا عراضة يبات بلا فراش»، فآمن بأن «قمة» الجزائر هي آخر مسمار في نعش اتحاد المغرب العربي.
اختار الطيب البكوش الصمت، لأنه يعلم علم اليقين أن إبعاده كان من صنع الرئيس التونسي، ولأن الأمين العام طيب وودود وبكوش، (تعني في اللهجة الجزائرية الأخرس)، فقد ابتلع لسانه رغم أنه يدرس اللسانيات، فيما غضب رفاقه في حزب حركة نداء تونس، وألقوا باللائمة على الرئيس قيس سعيد، الذي أصبح تابعا لجاره في جره ونصبه.
ولأن التاريخ يعيد نفسه بين الفينة والأخرى، فإن واقعة مماثلة حصلت في الجزائر، أثناء اجتماع اللجنة التحضيرية لقمة مغاربية سنة 1996، كان عبد العزيز لمسيوي نائبا للأمين العام يلقي خطبة عصماء، وقبل أن تكف التصفيقات وتستعيد القاعة هدوءها، همس في أذنه سفير المغرب في الجزائر عبد الكريم السمار، قائلا: «يجب أن تعود إلى المغرب على متن أول طائرة، هذه أوامر من الرباط».
لم يقدم السفير تفاصيل أكثر حول قرار مغادرة مؤتمر قبل اختتامه، فلف الحرج لمسيوي الذي كان معولا عليه في صياغة البيان الختامي، ليجد نفسه في المطار يركب أول طائرة متوجهة إلى الدار البيضاء، وفي ذهنه تتزاحم الأفكار وتتعايش الاحتمالات الخبيثة والطيبة.
اعتقد لمسيوي أن الدعوة الاستعجالية وراءها تعديل حكومي طارئ، وفي اليوم الموالي علم أن وزير الخارجية الجزائري قد أساء إلى المغرب في مؤتمر انعقد في نيروبي، ولما بلغ الأمر إلى علم الملك الراحل الحسن الثاني سأل عن لمسيوي، الأمين العام المساعد للاتحاد المغاربي، فقيل له إنه في اللجنة التحضيرية بالجزائر، فطلب منهم الملك العمل على تعليق مشاركة المغرب في الدورة المغاربية، وصاح: «قولو ليه يدخل»، وهكذا عاد منظر الاتحاد من حيث أتى.
تعالوا نبحث عن الكرة في هذا المعترك السياسي، فالبكوش كان منخرطا في النادي الإفريقي التونسي، وعبد العزيز لمسيوي كان كاتبا عاما للرجاء الرياضي لسنوات وعضوا في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وحزب نداء تونس يضم في صفوفه فوزي البنزرتي، المدرب السابق للوداد والرجاء.
لكن بالرغم من الشلل الذي تسلل إلى جسد الاتحاد المغاربي، إلا أن دوراته الرياضية ما زالت تقاوم عوامل التعرية، وتصر على جمع أشلاء هذا الكيان الذي تعطلت حواسه، إلا حاسة الرياضة.
في مشهدنا الكروي جموع عامة أشبه بالقمة العربية «المنظمة» في الجزائر، طرد الأصوات المقلقة، منع الصحافيين المهنيين، وتسهيل عبور أشخاص مدانين بتهمة التعاطي للإعلام، والترحيب بمن يجيد الاستجداء ويضع قلمه وحنجرته رهن إشارة الرئيس، ولو على سبيل الإعارة.
نحمد الله ونشكره لأن المغاربة لا يولون اهتماما لقمم عربية تصاغ بياناتها الختامية قبل الجلسة الافتتاحية، فهم منشغلون بغياب حمد الله عن المنتخب، أكثر من انشغالهم بالتمزق العربي وبندرة المطر.
أما العرب فقد اتفقوا على ألا يتفقوا، إلا على الشتات.