إني تلقيت أحد عشر لقاحا
بيير لوي ريمون
عودنا الأدباء على اعتماد أسلوب التناص، أي كما بينه الناقد الأدبي الفرنسي جيرار جنيت، تضمين الكُتاب نصوصهم مقاطع نصية متداولة في التراث الفكري، مثلما فعل محمود درويش في قصيدته المعروفة «أحد عشر كوكبا».
لا دمج ولا تناص هنا، لكن عبارة طبية علمية طرحت هذه الأيام في تطور أحداث شؤون الساعة، ذكرتني بأن رسائل موجهة إلى الإنسانية يمكن تنزيلها في قوالب أدبية، تضمن إيحاءات تمتاح من قوة الكلمات التي ورثها المخيال الجماعي.
هذا أحد الأسباب المفسرة لعنوان هذا المقال.. أما السبب الثاني، فمرده إلى الوظيفة التشاركية القوية التي تقدمها مقتبسات التراث الجماعي، التي توجه رسائلها إلى الإنسانية. أحد عشر لقاحا، هو عدد اللقاحات الإلزامية التي يتلقاها الفرد منذ نعومة أظفاره، وأحد عشر لقاحا، هو أيضا المعلومة التي حجبها خطاب المعادين للقاح، الذين وضعوا في مقدمة حججهم رفض الإلزامية، متناسين أنهم خضعوا هم أنفسهم لأحد عشر لقاحا إلزاميا.
مرة أخرى، ليس موضوعيا استهداف من يتردد.. أو يخاف، أو يعتبر أن درجة المسافة الواجب اتخاذها مع اللقاح الجديد غير كافية. نعم، هذه الحجج لا تثبت علميا، لكن المشكلة الأكبر مشكلة اصطدامك بتسييس للموضوع، وخلطه ببهارات «فلسفية» يكرسها خطاب الأقلية الفاعلة في موضوع الحد من الحريات. فمشكلة الصحافيين والمحللين والمؤثرين في دول أوروبية موصوفة بالمتطورة، ودولة موصوفة بالمتطورة مثل فرنسا تحديدا، هي مشكلة الإقناع. حاول أن تعطي دلائل إقناع موضوعية فقل مثلا: «لا خوف عليك من حملة تلقيح استفاد منها لحد الآن ما يقارب الثلاثة مليارات من الأفراد» أو «إذا كنت تعتبر أن المسافة غير متوفرة، فما بالك بزمن لويس باستور، حينما اخترع اللقاح ضد مرض الكلب، وتفاعل الناس حينها، في زمن لم يكن أي لقاح معروفا أصلا؟» ويمكنك الحديث أيضا عن معادلة المنافع والأضرار التي ترجح منافع التلقيح في كفة الميزان، بأضعاف وأضعاف آثاره الجانبية. كما يمكنك أن تختتم عرضك بفكرة أن استعادة الحرية تمر عبر اعتماد موسع للتصريح الصحي ومصادرتها تتم بدونه، وليس العكس.
هذه الحجج تقنع السواد الأعظم من المواطنين، أي من يفهم السياسة من منطلق تعريفها الأصلي، أي تدبير الشؤون العامة تحقيقا لمصلحة الفرد والمجتمع.
لكن تصطدم هذه الحجج بنظريات يُزج بها بلا دليل ولا برهان تحت ذريعة استقلال التفكير ومفهوم للحرية الفردية فصل عن الحرية الجماعية، هكذا يمكن لأصحاب هذا التوجه إطلاق صرخة «حرية، حرية، حرية» من دون أن يفسروا عمدا عن أي حرية يتحدثون، أو أن يدّعوا أن التلقيح اخترع على حساب الدواء لاعتبارات مالية بحتة، لا عن عجز راهن للوصول إلى دواء، فينساق وراءهم القطيع المخدوع، الذي كان يتحدث عنه جبران خليل جبران في زمنه في نص معروف كتبه عن الرأي العام.