إنسان سعيد…
شامة درشول
يقولون ان هناك يوما اقرته الامم المتحدة ليكون يوما عالميا للسعادة، والسعادة حسب هذه المنظمة تقاس بمؤشرات، ولاني اكره المؤشرات والمقاييس الجافة، اعتبر الرسالة التي كتبها الملياردير البريطاني «ريتشارد برينسون»، هي خلاصة السعادة.
اسس ريتشارد امبراطورية تتكون من 400 شركة، واقتطع من وقته المزدحم ليكتب رسالة بعنوان «كيف تكون سعيدا؟».
وقبل أن يبدأها كتب ريتشارد يقول: «في سني، وانا الان ابلغ من العمر 66 أناس كثير يعانون من امراض عقلية اريد معهم ان أشارك هذه الرسالة، وأتمنى ان تساعد كلماتي الاخرين في إيجاد الفرح الذي يستحقون».
ريتشارد اختار أيضا أن يوجه رسالته الى «مجهول»، وهو يتحدث عن تجربته حول السعادة، فخاطبه يقول:
«عزيزي المجهول،
أنت لا تعرفني، لكني سمعت أنك تمر بظرف صعب، لذلك أريد ان اساعدك. أريد ان أكون منفتحا وصادقا معك، وان اجعلك تعرف أن السعادة ليست شيئا منح فقط لفئة معينة، بل يمكن ان تكون من نصيبك انت أيضا إن انت اعطيتها الوقت اللازم لتنمو وتكبر.
أمر عادي ان تكون قلقا، خائفا وحزينا. انا كنت كذلك طوال الست والستين سنة من حياتي. فلتت من الموت لعدة مرات، أفقدني الموت أشخاصا أحبهم، فشلت في مشاريع كثيرة، فقدت لمرات كلماتي أمام جمهور ينتظر ان يسمعني، كما كسر الحب قلبي لمرات عدة.
أنا أعرف أني محظوظ لأني أعيش حياة رائعة، وأن الكثيرين يريدون الاستمتاع بالنجاح الذي تعرفه مشاريعي اليوم، والثروة التي حققتها، والتي حققت لي السعادة. لكن هؤلاء لا يرون الوجه الاخر لما أعيشه. الاخرون لا يعرفون أني ثري، ناجح ومشهور لأني سعيد.
الكثير من الناس يحصرون أنفسهم في القيام بأفعال معينة، والحصول على أشياء معينة، من أجل الحصول على السعادة. وهنا مكمن فشلهم في أن يكونوا سعداء. لأنهم يحاولون القيام بأشياء تجعلهم سعداء، في حين كل ما عليهم فعله هو أن يكونوا سعداء. السعادة هي أن تكون سعيدا وليس أن تقوم بأشياء تجعلك سعيدا.
غالبا ما يتم سؤال الأطفال ماذا يريدون أن يكونوا حين يكبرون. يردون بأجوبة من قبيل: «اريد ان أصبح كاتبا، او طبيبا أو رئيس وزراء»، ويقولون للطفل عليك ان تذهب الى المدرسة او الى الجامعة، عليك ان تجد عملا، أو عليك أن تتزوج، وبعدها ستكون سعيدا. لكن كل هذا هو حديث عن «القيام بمسببات السعادة» وليس عن ان تكون سعيدا. حين تقوم بهذه الأشياء انت تحصل على لحظات فرح، وليس بالضرورة تحصل على السعادة.
توقف وتنفس. كن سليم البدن. كن محاطا بأصدقائك وعائلتك. كن هناك من أجل شخص ما. واترك أحدا يكون هنا من أجلك. كن أصلع. فقط كن كذلك ولو لدقيقة.
اذا سمحت لنفسك بأن تكون حاضرا في اللحظة، وان تقدر تلك اللحظة، فالسعادة ستكون نتيجة حتمية. انا أتكلم عن تجربة. أقمت امبراطورية شركات ناجحة، شاركت في حوارات عن مستقبل الكون، شاركت في حفلات تكريم، التقيت بأشخاص لا ينسون، وحين كانت هذه الأشياء تمنحني فرحا عظيما، كانت تلك اللحظات التي فيها توقفت لأكون سعيدا بدل أن أقوم بما يجعلني سعيدا، هي ما منحتني السعادة الحقيقية.. لماذا؟ لأنه أن تسمح لنفسك بان تكون سعيدا هو ما يمنحك ما تترقبه، انت تترقب السعادة، اذن فقط كن سعيدا الان في هذه اللحظة، لتحصل على ما تترقبه في المستقبل. جربها، فقط جرب أن تكون في الحاضر، الان، سعيدا. أن تكون سعيدا، لا أن تقوم بما يجعلك سعيدا.
في ما يخصني.. السعادة هي حين أضم يدي حفيدي الطريتين، حين أتأمل النجوم وأحلم بأن أراها عن قرب ذات يوم. أن استمع لأحاديث عائلتي ونحن على مائدة العشاء. هي ابتسامة على وجه أحد الغرباء. هي رائحة المطر. هي انكسار الأمواج في البحر. هي الريح وهي تعبر الرمل. هي أول ثلجة تتساقط في بداية الشتاء. هي اخر عاصفة في فصل الصيف. هي الشروق والغروب.
لا تبحث عن السعادة حين تكون مهزوما. السعادة لا يجب أن تكون هدفا. السعادة يجب أن تكون عادة، يجب أن تكون طقسا، يجب أن تكون روتينك اليومي. لا تركض وراء السعادة، ما عليك الا ان تكون سعيدا. ابدأ بأن تكون سعيدا كل يوم، بأن تكون محبوبا، بأن تكون رائعا، بأن تكون ممتنا، بأن تكون خدوما، بأن تكون مشاهدا لأفكارك الخاصة.
اسمح لنفسك بأن تكون حاضرا في اللحظة، وان تستمتع باللحظة، تخل عن كل ما تنتظره غدا أن يحدث لتكون سعيدا، وابدأ طريقك نحو السعادة بأن تكون سعيدا… صدقني، حاول من الان أن تكون سعيدا، لا أن تقوم بأشياء تحقق لك السعادة، أو ان تنتظر حدوث أشياء تتوقع ان تحقق لك السعادة… ابدأ الان، واشعر بالسعادة الان، بما لديك الان، فقط قرر أن تكون سعيدا، وأعدك بأن السعادة ستصبح نتيجة حتمية».
انتهى كلام ريتشارد، لكن سعادتي وأنا أقرأ كلماته التي تسحرني دوما لم تنته. أشعرني ريتشارد بالسعادة وأنا أقرأ كلماته. شعرت بالسعادة ان شخصا مثله موجود، تمنيت أن اقرأ يوما لاحد اثرياء المغرب وهو يدون عن حياته، عن نجاحاته، عن إنجازاته، بدأت سعادتي تنقص حين فكرت في اثرياء المغرب وكيف أن الثروة في المغرب يتم توريثها لا انتاجها، فقررت أن اتوقف عن التفكير، وان أكون سعيدة، الان، في هذه اللحظة، في هذا المغرب، بكل مشاكله، ومساوئه وتناقضات شعبه، أن أكون سعيدة كما أوصى ريتشارد.
أنت، أيضا، افعل مثلي، وقرر أن تكون سعيدا رغم كل ما يحدث في هذا البلد، وفي هذا العالم، ولا تنس أن الملياردير ريتشارد قال أن تكون سعيدا يعني أن «تحب، أن تعتني بعائلتك، اصحابك، أن تشعر بحاجتك لشخص ما، أن تجعل شخصا ما يشعر بحاجته اليك، أن تكون ممتنا، خدوما ومحبوبا، أن تكون سعيدا يعني أن تستمتع باللحظة، وأنت تشارك متعتك مع الأخرين»..
تخلص من قلقك من السعادة ومن خوفك من أن تضحك، وأطلق ضحكة عالية، وبدل أن تطلب الله قائلا: «الله يخرج هاد الضحك على خير»، فقط اضحك، وقهقه عاليا وقل: «الله يجعلنا ديما ضاحكين»، فالله سيحبك أكثر وأنت تضحك، وأنت سعيد، وسيحبك أكثر وأنت تسعد الاخرين.