إلى نصف مجنون
إليك هذا التذمر التافه والمتكرر، إلى من أسماه يوما فايز غضنفر.
أن تعرف كلما عرجت على مشرب «ليس ببعيد»، أو مقهى لتحتسي مشروبا أو فنجان «آلونجي» من الذين تلتقيهم بالصدفة بدون سبق تخطيط، أو تنسيق، ومن الذين لا تعرفهم أيضا أنك مقرف ومزعج جدا جدا جدا ولك أعداء كثر، هو أمر يبعث على التسامح والتفهم والشعور بالرضى وليس التساؤل عن السبب، أو لعن الذات بغية كسب رضى الآخرين الزائف.
حينها فقط تدرك أنك خارج عن الإجماع /عن إجماع من يكترثون لك أنت «اللاشيء» حد نسج أحلام عنك..
خارج على كل إجماع، غير منتم، غير منسوخ، يطاردك تشنيع الرعاع، يلاحقك بغضهم وغلهم وغيظهم..أنت لست مسؤولا عن ارتفاع هرمون الأدرينالين في جهازهم العصبي.. أنت لست مسؤولا عن انقباضات أوعيتهم الدموية وتسارع ضربات قلوبهم عندما يتعقبونك خِلْسَة، عندما يبحثون في جيوبك، في صداقاتك، في كتاباتك ليجدوا في الأخير «زيرو» فجوة تحقق لهم إمكانية «فرصة» التسلل إلى وجودك ..
وجودك الذي يُقْلِقُكَ كل ثانية يزعجهم، وجودك الأصيل، حسب التعبير الهايدغري، هو الذي يصنع منك «الأنا الوحدية» غير القابلة للنسخ الورقي، ولا الاستنساخ، حسبَ علم الوراثة…
تذمرك المستمر من «أناك» فتيلة كل مونولوجياك الطويلة التي تحترق في اكتشاف الذات من جديد كل مرة بهدف تأكيدها المتوهم، كقصة العنقاء والرماد/الاحتراق والانبعاث..
دونكيشوطيون صغار يصارعون خيالك، ظِلَّك، لحظات ممارستك طقوس الاحتراق والانبعاث، ليالي قلقك التافه اللامنتهي، هنيهات تقلبات مزاجك الحاد غير المبرر، ساعات تعاطيك مع سُهادك الذي ألفته وجنيته على نفسك..
يمقتونك، يكرهونك، يثرثرون عنك من ورائك، وجودك بالواقع وبالافتراض يقززهم لسبب باهت وضبابي لديهم، في الحقيقة هم يريدون أن يكونوا «أنت»، فطبعا هم يفضلون القوالب الجاهزة البراقة، «أما أنت فأدرى بحالك البارازيتية».
أنت في الحقيقة مجرد نَكِرَة لا اسم لك ولا عنوان. لكن مزاعم مجموعة «العاهات المجمتعية» هذه ولغوهم ولغطهم عند ذكر اسمك وملاحقتهم لك هو ما يمنحك صفة الاستثناء.
في الحقيقة أنت لاشيء-
«الحياة، هدية/ يقدمها إلى الأحياء أولئك المهووسون بالموت».
(سامحني أيها العظيم إميل سيوران على سرقة تركيب الشذرة الإيقاعي) :
«الاستثناء، صفة/ تقدمها للنكرات مجموعة الرعاع والغوغاء».