دخلت كوريا الجنوبية في ليلة من الفوضى، بعد أن فرض الرئيس، يون سوك، أحكاما عرفية اعتبرتها المعارضة مثيرة للصدمة. وبعد ضغط كبير قرر الأخير رفع هذه الأحكام. لكن لم تكن هذه الأحداث هي المحرك الرئيسي لهيجان المعارضة، فيون له رصيد حافل من قضايا الفساد وفضائح الفساد هذا العام، بما في ذلك واحدة تتعلق بقبول السيدة الأولى حقيبة من العلامة التجارية الفاخرة «ديور»، وأخرى بشأن التلاعب المزعوم بالأسهم.
سهيلة التاور
أتى الإعلان المفاجئ عن فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية، ليل أمس الأربعاء، في خضم أزمة سياسية بين الرئيس والمعارضة تتمحور حول الميزانية العامة.
واتهمت كتلة المعارضة الكورية الجنوبية الرئيس بإعلان حالة الطوارئ للأحكام العرفية، لحماية السيدة الأولى كيم كيون هي، من تحقيق تخضع له. واعتبرت أن الإعلان «تكتيك ذو دوافع سياسية، لصرف الانتباه عن تحقيق خاص من المقرر إعادة النظر فيه، في 10 دجنبر الجاري».
وتخضع كيم للتحقيق بتهمة قبول حقيبة «كريستيان ديور» بقيمة 2200 دولار هدية، وهو انتهاك محتمل لقانون مكافحة الفساد في كوريا الجنوبية.
6 ساعات من الأحكام العرفية
ليلة درامية بامتياز عاشتها كوريا الجنوبية لنحو 6 ساعات تحت الأحكام العرفية، بعد أن أصدر الرئيس، يون سوك يول، إعلانا مفاجئا ومثيرا للصدمة في البلاد، أول أمس الثلاثاء. وحاصرت القوات البرلمان، بعد أن اتهم يون القوات الموالية لكوريا الشمالية بالتخطيط للإطاحة بواحدة من أكثر الديمقراطيات حيوية في العالم. وأعرب المشرعون عن غضبهم، وصوتوا لإنهاء الإعلان، وتحرك الرئيس لرفع الأحكام العرفية، قبل فجر أمس الأربعاء، بعد تصويت البرلمان ضد الإجراء، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية.
وأثارت هذه الإجراءات الجدل لزعيم كافح من أجل تمرير أجندته، من خلال برلمان تُهيمن عليه المعارضة، في حين تورط هو وزوجته في فضائح فساد.
ولم يقدم يون أي دليل مباشر، عندما أثار شبح كوريا الشمالية بوصفها قوة مزعزعة للاستقرار. ولطالما أكد يون أن الخط الصارم ضد الشمال، هو الطريق الوحيد لمنع بيونغ يانغ من تنفيذ تهديداتها النووية ضد سيول.
التفاصيل
بعد إعلان يون مباشرة، استدعى رئيس الجيش كبار القادة لإجراء محادثات، وأقامت القوات الكورية الجنوبية حواجز، ثم شقت طريقها إلى البرلمان.
وأمر زعيم المعارضة الرئيسية، التي تُسيطر على البرلمان، المشرعين بالعودة إلى المبنى؛ حيث صوتوا في النهاية على رفع إعلان الأحكام العرفية.
وكان إعلان يون مصحوبا باتهام المعارضة بأنها منخرطة في «أنشطة مناهضة للدولة والتخطيط للتمرد»، لكنه لم يشرح ماذا يعني ذلك، ولم يُقدم أي دليل محدد.
وفي أواخر الثمانينيات، كانت لدى كوريا الجنوبية سلسلة من الزعماء الأقوياء الذين استدعوا خطر كوريا الشمالية مرارا وتكرارا، عندما كانوا يكافحون للسيطرة على المنشقين المحليين والمعارضين السياسيين.
دعوات لعزل الرئيس
أعلن الحزب الرئيسي المعارض في كوريا الجنوبية، أمس الأربعاء، أنه تقدم بطلب لعزل الرئيس يون سوك يول، بعد إعلان المعارضة العزم على مقاضاته إلى جانب عدد من كبار معاونيه الأمنيين بتهمة «التمرد»، وذلك بسبب فرضه الأحكام العرفية بالبلاد، في إجراء أحبطته الجمعية الوطنية (البرلمان) سريعا، مما دفع القوات العسكرية إلى مغادرة الشوارع، وأدى إلى استقالات جماعية.
وقال ممثلون لستة أحزاب يتقدمها «الحزب الديمقراطي»، وهو أبرز أحزاب المعارضة، في خطاب مباشر: «لقد تقدمنا بطلب عزل تم تحضيره على عجل»، مشيرين إلى أنهم سيدرسون موعد طرحه على التصويت، والذي قد يحصل، يوم غد الجمعة.
كما قال «الحزب الديمقراطي» – في بيان- إنه سيرفع دعوى بتهمة التمرد على كل من رئيس الجمهورية، ووزيري الدفاع والداخلية، وشخصيات رئيسية في الجيش والشرطة متورطة في إعلان حالة الأحكام العرفية، مشيرا إلى أن المعارضة ستسعى كذلك إلى عزل الرئيس عبر محاكمته برلمانيا.
وأضاف أن إعلان يون الأحكام العرفية، «يعد انتهاكا واضحا للدستور»، مشددا على أن يون فشل في الامتثال لأي من متطلبات أو مسوغات الدستور لإعلان الأحكام العرفية، وفق البيان.
وخلال اجتماع طارئ للمشرعين المعارضين الذين يشكلون الأغلبية في الجمعية الوطنية، أعلن الحزب الديمقراطي أنه سيبدأ على الفور إجراء عزل يون، ما لم يتنح من تلقاء نفسه.
من جهته، اعتبر زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية قرار الرئيس فرض الأحكام العرفية في البلاد «مأساويا»، داعيا إلى محاسبة كل المسؤولين عن هذه المحاولة التي وصفها بالفاشلة.
وكان مشرعون في كوريا الجنوبية دعوا إلى عزل الرئيس، عقب إعلانه الأحكام العرفية، قبل أن يتراجع عنها بعد ساعات، مما أثار أكبر أزمة سياسية منذ عقود في رابع أكبر اقتصاد في آسيا.
وأكد ائتلاف من المشرعين من أحزاب المعارضة عزمه تقديم مشروع قانون لعزل يون، أمس الأربعاء، والذي يجب التصويت عليه في غضون 72 ساعة.
ويمكن للجمعية الوطنية عزل الرئيس إذا صوت أكثر من ثلثي المشرعين على ذلك، ثم تعقد المحكمة الدستورية محاكمة، ويمكن أن تؤكد ذلك بتصويت ستة من القضاة التسعة.
ويسيطر حزب يون على 108 مقاعد في البرلمان، المكون من 300 عضو.
استقالات جماعية
ردا على إعلان الرئيس الأحكام العرفية التي ألغيت بعد 6 ساعات، قدم كبار المسؤولين في المكتب الرئاسي في سيول، ومنهم رئيس الفريق الرئاسي، استقالاتهم بشكل جماعي، صباح أمس.
وتوصل كبار المساعدين إلى قرار الاستقالة الجماعية، خلال اجتماع لكبار الأمناء ترأسه تشونغ جين سوك، رئيس الفريق الرئاسي، في وقت سابق صباح أمس الأربعاء.
القوات إلى قواعدها
في ساعات الصباح الأولى من أمس الأربعاء، عادت إلى قواعدها القوات الكورية الجنوبية، التي انتشرت قبيل منتصف الليل، لفرض تطبيق الأحكام العرفية.
أتى ذلك بعد أن وافق الرئيس يون على رفع الأحكام العرفية، التي أعلنها بزعم «الدفاع عن كوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية، وحماية النظام الدستوري الحر».
وافقت الحكومة في كوريا الجنوبية على طلب رفع الأحكام العرفية، وفق ما أفادت وكالة «يونهاب» للأنباء. وجاء التقرير، بعد دقائق من إعلان الرئيس يون سوك يول أنه عاد عن قراره فرض الأحكام العرفية، الذي تسبب في أزمة نددت بها المعارضة.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي قد قال إنه سيلتزم بقرار الجمعية الوطنية (البرلمان) رفع الأحكام العرفية التي فرضها، في وقت سابق من أول أمس الثلاثاء، ما تسبب في أزمة نددت بها المعارضة وأثارت قلقا دوليا، خصوصا لدى حليفته الولايات المتحدة.
وقال يون في خطاب متلفز: «قبل قليل، كان هناك طلب من الجمعية الوطنية برفع حالة الطوارئ، قمنا بسحب الجيش الذي نشر لتطبيق عمليات الأحكام العرفية. سنقبل طلب الجمعية الوطنية ونرفع الأحكام العرفية». وقوبل الإعلان بفرحة في أوساط متظاهرين نزلوا إلى الشوارع، احتجاجا على فرض الأحكام العرفية، خصوصا عند البرلمان.
وكانت الجمعية الوطنية التي تهيمن عليها المعارضة، سارعت إلى التصويت على رفع الأحكام، لكن الجيش أكد أنه لن يقوم بذلك دون قرار من الرئيس. وأغلق مبنى البرلمان، بعد فرض الأحكام العرفية، وحطت مروحيات على سقفه. وتولى الجنرال بارك آن- سو، قائد الجيش الكوري الجنوبي، مسؤولية تنفيذ قانون الأحكام العرفية، وأصدر مرسوما بحظر «كل النشاطات السياسية».
ويذكر أن كوريا الجنوبية ما زالت وجارتها كوريا الشمالية المسلحة نوويا في حالة حرب رسميا، منذ نهاية النزاع في شبه الجزيرة الكورية عام 1953.
جذور الأزمة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى لحظة وصول يون إلى السلطة في 2022، في انتخابات تاريخية شهدت أضيق هامش فوز، منذ انتهاء الحكم العسكري في الثمانينيات.
وبفارق لم يتجاوز 0.8 بالمائة، اعتلى المدعي العام السابق المتشدد منصب الرئاسة، في انتصار يصفه محللون بأنه جاء تعبيرا عن رفض سلفه الليبرالي أكثر من كونه تأييدا لسياساته.
ومنذ أبريل الماضي، تراجع نفوذ يون السياسي بشكل حاد، بعد خسارته الانتخابات العامة للبلاد، وهيمنة المعارضة بأغلبية ساحقة على البرلمان.
وأعقب نتائج الانتخابات استقالات جماعية، شملت رئيس الوزراء وعددا من كبار مساعديه وحلفائه السابقين.
ومنذ خسارته البرلمان، لم تتمكن حكومته من تمرير القوانين التي أرادتها واقتصر دورها على نقض مشاريع القوانين التي أقرتها المعارضة الليبرالية، ليتصاعد التوتر بين الطرفين إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت حد وصفه للبرلمان بأنه «وحش يدمر الديمقراطية».
وتراجعت نسب تأييد الرئيس الكوري إلى مستويات قياسية لا تتجاوز 19 بالمائة، خلال الأشهر الماضية، خاصة مع تورطه في العديد من فضائح الفساد هذا العام، بما في ذلك واحدة تتعلق بقبول السيدة الأولى حقيبة من العلامة التجارية الفاخرة «ديور»، وأخرى بشأن التلاعب المزعوم بالأسهم.
وفي الشهر الماضي فقط، اضطر إلى إصدار اعتذار على التلفزيون الوطني، قائلا إنه يقوم بإنشاء مكتب للإشراف على واجبات السيدة الأولى. لكنه رفض إجراء تحقيق أوسع، وهو ما كانت تطالب به أحزاب المعارضة.
وفي الأسبوع الماضي، أقر نواب المعارضة في لجنة نيابية مقترح ميزانية مخفضة بشكل كبير. واقتطعت المعارضة نحو 4.1 تريليونات وون (2,8 مليار دولار) من الميزانية التي اقترحها رئيس الجمهورية، وخفّضت صندوق الاحتياط الحكومي وميزانيات النشاطات لمكتب الرئيس والادعاء والشرطة ووكالة التدقيق التابعة للدولة.
واتهم يون، وهو مدعٍ عام سابق، نواب المعارضة باقتطاع «كل الميزانيات الضرورية لوظائف الدولة الأساسية، مثل مكافحة جرائم المخدرات والحفاظ على السلامة العامة»، وبالتالي «تحويل البلاد إلى ملاذ آمن للمخدرات، وحال من الفوضى في السلامة العامة».
وفي الوقت نفسه، تحركت المعارضة أيضا لعزل أعضاء في مجلس الوزراء وعدة مدعين عامين كبار، بمن في ذلك رئيس وكالة التدقيق الحكومية، بسبب ما اعتبرتها فشلهم في التحقيق مع السيدة الأولى.
ردود فعل دولية
تسببت الأزمة في إثارة قلق دولي، لاندلاعها في دولة تتبع نهجا ديمقراطيا منذ ثمانينيات القرن العشرين، وهي حليفة للولايات المتحدة واقتصاد آسيوي رئيسي.
وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إنه يرحب بقرار يون إلغاء إعلان الأحكام العرفية.
كذلك قال شيغيرو إيشيبا، رئيس الوزراء الياباني، إن بلاده تتابع «بقلق بالغ واستثنائي» الوضع في كوريا الجنوبية.