يونس جنوحي
في صمت شديد و«احتشام»، مرت ستة أشهر الأولى على زلزال الحوز وتارودانت. لا يزال الناجون ينتظرون العودة البطيئة إلى الحياة السابقة، قبل الثامن من شتنبر، بينما آخرون منهم اقتنعوا أن حياتهم لن تعود نهائيا كما كانت في السابق، حتى لو سُلمت لهم مفاتيح منازل جديدة.
اليوم، يقضي الناجون أول يوم صيام لهم في الجبال، جنبا إلى جنب مع أنقاض منازلهم وقبور أحبائهم الذين دُفنوا على عجل.
مؤذنون وأئمة، لم يعودوا بيننا لكي يُحيوا صلوات التراويح وقراءة الحزب بعد صلاة العصر، وأيتام تُقدر أعدادهم بالمئات سوف يتناولون أول وجبة إفطار لهم في الخيريات والأقسام الداخلية في مدينتي مراكش وتارودانت، في أجواء حزينة لم يسبق لهم أن جربوها في حياتهم.
ما زالت لوائح المستفيدين من الدعم المخصص للناجين، تعرف شدا وجذبا وسط احتجاجات على إقصاء الآلاف الذين لم يتوصلوا إلى حدود كتابة هذه الأسطر بأي شطر من دفعات الدعم التي وُزعت على المستفيدين.
على الميدان، لا يزال النشطاء الجمعويون الذين تحدثنا إليهم منذ ليلة الثامن من شتنبر، يحاولون إسماع أصواتهم للمسؤولين، بعد أن جمعوا ملفات آلاف الضحايا، الذين تختلف مأساتهم من شخص لآخر، وتتفاوت درجة معاناتهم حسب قُربهم من بؤرة الزلزال.
واحدة من أكثر القصص تأثيرا، بطلها شاب في الخامسة والعشرين من عمره، في دوار تابع لجماعة تيزي نتاست، توفيت زوجته تحت الركام ومعها طفلان، أحدهما رضيع لم يتجاوز عمره الشهر الثاني، لقوا حتفهم جميعا ولم يتم انتشال جثامينهم حتى الآن، واكتفى رجال الدوار بترك الموتى تحت الأنقاض، على عُمق ثلاثة أمتار تقريبا، وصلوا عليهم صلاة الجنازة، ومضوا إلى الخيام في انتظار من يتذكر الأحياء المجاورين لكل أولئك الموتى.
وهذا الشاب الذي يعيش الآن على وقع إعاقة سوف تلازمه ما تبقى من حياته، بعد أن تضررت ساقه وكاد أن يقطعها الأطباء في مستشفى المختار السوسي بتارودانت، لولا تدخل طبيب في آخر لحظة، لكي يقرر إنعاش الشاب المريض وعلاج جرحه العميق على مستوى الرجل بدل بترها.
بينما في دواوير أخرى، أصبحت هناك مقابر جديدة، دُفن فيها شهداء الزلزال في عملية ارتجالية، وهو ما تؤكده الروائح المنبعثة من تلك المقابر، مثل ما وقع في دوار «أنزال» غير بعيد عن المعسكر الذي أقيم هناك، والذي يقدم إلى الآن العلاج لآلاف المصابين الناجين وعائلاتهم.
رمضان هذا العام، يبقى مختلفا واستثنائيا، ولم يسبق لأحد من سكان المناطق المنكوبة أن تصوروا أنهم سوف يعيشون في أجواء مماثلة طيلة حياتهم.
هناك مبادرات شبابية محلية لتنظيم جلسات إفطار جماعي في العراء، تحت ضوء القمر وتأمل منظر الجبال ليلا، في انتظار أن يعود الناجون إلى منازل تليق بمن تبقى منهم، وكلهم أمل في أن يجدهم رمضان المقبل في وضع أحسن من المأساة الجماعية التي يعيشها أغلبهم الآن. وطبعا، فإن النقاش الوحيد الذي سوف يسيطر على جلسات الإفطار الجماعي في العراء، هو محاولة فهم لماذا لم يستفد سكان بعض القرى من أي شكل من أشكال الدعم نهائيا، رغم أن الليلة المشهودة قد مضى عليها حتى الآن ستة أشهر؟