الحديث 685 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: «إن مِن أشر الناسِ عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتُفضي إليه ثم ينشر سرها»، رواه مسلم.
افتتح الحديث بأسلوب التوكيد: إن من أشر الناسِ، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بأن الرجل الذي يفضي بسر زوجته هو شر الناس، ومما لاشك فيه أن أسلوب التوكيد من أساليب الدعوة النافعة، حيث يبين للمدعو أهمية وخطورة الشيء والأمر المؤكد، مما يزيد من اقتناع المدعو وهذا ما ظهر في تأكيد النبي على كونه أشر الناس.
إن الإسلام يحث على كتمان الأسرار، وأخص الأسرار التي يطلب حفظها أسرار العلاقة الزوجية، ولذا حذر الحديث من إفشائها، فقد جاء في الحديث: «إن شر الناسِ عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سرها». أخرجه مسلم. قال النووي: في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين إمرأته من أمر الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وقال ابن عثيمين (وعندما ينشر سرها، أو تنشر سره، فالغائب كأنه يشاهد، وكل هذا حرام ولا يحل، فالواجب أن الأمور السرية في البيوت وفي الفرش وغيرها تحفظ، وألا يطلع عليها أحد أبدا، فإن من حفظ سر أخيه حفظ الله سره، فالجزاء من جنس العمل). وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر من أعظم الأمانات التي يحافظ عليها الزوج، جاء في الحديث: إن مِن أَعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته، وَتُفضي إليه، ثم ينشر سرها، قال علي بن أبي طالب: سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره.
إن المحافظة على الأسرار بين الزوجين ليست مقصورة على العلاقة الزوجية بينهما، بل تتعداها إلى أمور كثيرة في الحياة الزوجية، وقد لام النبي صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته، عندما أفشت بعض الأسرار التي أطلعها عليها، قال الله تعالى: (وإذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)، سورة التحريم 3-4. وكذلك فإن البيوت فيها أسرار كثيرة لا ينبغي نشرها وإشاعتها، وإن نشر تلك الأسرار قد يؤدي إلى وقوع الخلاف والنزاع بين الزوجين، فمحافظة على استقرار الحياة الزوجية يجب كتمان أسرار الزوجين وعدم نشرها.
إن الإسلام لا يحب الفحش ولا التفحش من أجل أن يظل المجتمع نظيفا، ومن ثم كان من واجب الداعية استخدام الألفاظ العفيفة، ومما يدل على هذا ما جاء في الحديث: «الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه»، حيث كنى عن الجماع بالإفضاء، وهذا تعليم للدعاة أن يستخدموا الألفاظ العفيفة التي لا تجرح في الدعوة، وهذا أسلوب قرآني، لقد عبر المولى عز وجل عن المباشرة التي تكون بين الزوجين بتعبير سام لطيف، لتعليمنا الأدب في الأمور التي تتعلق بالنساء، فقال سبحانه: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». فالتعبير عن طريقة الاستعارة، والمراد اشتمال بعضهم على بعض لما تشتمل الملابس على الأجسام، وقد جاء في الحديث: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا»، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقا».