شوف تشوف

الرأيالرئيسية

إفريقيا ونماذج الكبار

 

عبد الحميد توفيق

 

 

استثناءان ميزا القمة الأمريكية الإفريقية؛ الأول أنها تنعقد في سياق دولي مختلف عما كان عليه الوضع العالمي عام 2014 حين انعقدت سابقتها، والثاني تنامي الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من روسيا عبر البوابة الأوكرانية وبأدوات عسكرية، ومع الصين من خلال التنافس الاقتصادي على المسرح العالمي برمته.

القاسم المشترك الأكبر بين القوى العالمية الثلاث هو القارة السمراء. التنافس حولها وعليها ليس وليد الساعة. الغائب الأبرز في المشهد التنافسي بين الكبار هو أوروبا. لم تقم أي قوة دولية من تلك الثلاث بطرد الأوروبيين، وهم السباقون إلى الهيمنة على معظم الدول الإفريقية بحكم عوامل متنوعة، منها عقود الاستعمار الطويلة في الكثير منها وما خلفته من بصمات وآثار ثقافية ولغوية في هوية القارة وجسدها، ومنها ما هو سياسي واقتصادي، تَمثل في الاستحواذ على موارد دول القارة السمراء وما تزخر به من ثروات باطنية من النحاس إلى الذهب إلى الماس إلى النفط وغيرها في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية.

تجاهل الغربيون في غمرة نشوتهم بكنوز مناجم البلدان الإفريقية المُستَعْمَرَة، أهمية الاستثمار في الإنسان الإفريقي. تركوه نهبا للفقر والتخلف العلمي والتنموي بصورة عامة. غادر الأوروبيون تلك القارة، وحتى فرنسا في طريق طي صفحة وجودها هناك. بقي الأفارقة في ديارهم يتلمسون أسباب النهوض ومواكبة العصر.

قبل أن تكمل باريس لوحة انسحاب أوروبا من القارة السمراء لتلتحق ببريطانيا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وغيرها، أفرد الأمريكيون ملاعبهم أمام قادة القارة السمراء وأطلقوا صافرة البداية للمنازلة حولها مع خصومهم. دوافع واشنطن وغاياتها من وراء لقاء الأفارقة على مستوى القمة تكاد لا تحصى، تبدأ بالاقتصادي والتنموي، ستارا لما تبطنه دهاليز السياسة من أهداف سياسية وأمنية وجيوسياسية واستراتيجية نابعة من محرضات نزعة الهيمنة الأمريكية المتصاعدة التي يتطلب تحققها توفير ركيزتين؛ تنشيط العلاقات مع أغلب الدول الإفريقية على قاعدة تصويب العلاقات من خلال نزع كل أسباب الجفاء السابق من طريقها، بينها قضايا حقوق الإنسان التي تضعها واشنطن مع كثير من دول العالم في سياقات ضغط وابتزاز لتحقيق أغراض سياسية أكثر منها مطالب حقوقية إنسانية، وخلق شراكات اقتصادية وتنموية تلبي احتياجات القارة.

تبدو إفريقيا وفقا لهذا الميزان بيضة قبان في سياق المنافسة الناشئة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، إذا ما أرادت واشنطن مواجهة النفوذين الاقتصادي والعسكري المتزايد لموسكو وبكين في تلك المنطقة من العالم. الاهتمام الأمريكي بالقارة ليس جديدا، فقد برز في عهود سابقة منذ إدارات كلينتون وبوش، وكان هاجسها مصادر الطاقة والمعادن النفيسة، إضافة إلى قلقها من تأثير نفوذ خصميها الروسي والصيني على خططها الاستراتيجية، بشأن إمكانية قيام عالم جديد أحادي القطبية. راكمت الصين الكثير في البنية التحتية الإفريقية. تقربت من المجتمعات واهتمت بالاقتصاد ولا أولويات عسكرية لها، وبدت غير معنية بافتعال حروب ومواجهات عسكرية ولا تتدخل في شؤون دولها الداخلية على عكس الدول الغربية. وفقا للإحصائيات، فإن الصين تجاوزت الولايات المتحدة وأوروبا في حجم الاستثمارات في إفريقيا، حيث لامست 150 مليار دولار حتى الآن. ووفقا للإحصائيات أيضا؛ فإن معدلات النمو في القارة الإفريقية تسجل نموا مطردا مع توقعات بتجاوز عدد سكانها بعد خمسين عاما ملياري نسمة، وهي ملامح جذب للقوى الكبرى المتنافسة. هل تملك واشنطن مفاتيح الدخول ومنافسة الصين في القارة السمراء؟ ثمة معطيات تشير إلى أن التوجه الأمريكي نحو إفريقيا يأتي مع انكماش اقتصادات الصين وروسيا، ولا يغيب وجود حوالي 40 مليون أمريكي من أصول إفريقية في الولايات المتحدة. على هامش القمة؛ تحدثت واشنطن عن دعمها لرغبة إفريقيا في تخصيصها بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، في حال تقرر إصلاح بنيته الحالية، وبذلك تدغدغ إدارة بايدن مشاعر وآمال ضيوفها الأفارقة سياسيا، إلى جانب الإغراءات الاقتصادية والتنموية المنشودة. إفريقيا ستستفيد من اندفاع واشنطن والقوى الدولية نحوها والتنافس على خطب ودها لتأسيس شراكات ندية مع القوى العظمى، وهي تدرك حاجتها إلى أي جهة داعمة لمواجهة تحديات صعبة وكثيرة، تجعلها تبحث عن أكثر من شريك. التنوع في النماذج المطروحة سيكون مفيدا لإفريقيا. تعدد الشركاء يتيح لها توسيع دوائر الاستثمار على مساحتها الشاسعة، وهي التي تمتلك أوراقا مغرية للساعين إليها، كل ذلك سيمكنها من جني فوائد كثيرة لمصلحة شعوبها، وسيمنحها القدرة على تأسيس شراكات أكثر عدلا. مع غياب نموذج روسي متكامل الأعمدة في القارة الإفريقية حتى قبل تفجر النزاع مع أوكرانيا، يتمحور السؤال فقط حول أي النموذجين أكثر جاذبية للأفارقة: الأمريكي أم الصيني؟ النموذج الصيني بات خيارا مرغوبا في كثير من بلدان العالم، بسبب حوامله الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية الميسرة والمتاحة، بالمقابل فإن تصوير النموذج الأمريكي على أنه اقتصادي بدوافع الهيمنة لا يبدو دقيقا، لأن منعكسات الشراكة ستعود على الأفارقة بكثير من المكاسب التنموية والاقتصادية.

نافذة:

إفريقيا ستستفيد من اندفاع واشنطن والقوى الدولية نحوها والتنافس على خطب ودها لتأسيس شراكات ندية مع القوى العظمى وهي تدرك حاجتها إلى أي جهة داعمة لمواجهة تحديات صعبة وكثيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى