إفتتاحية
لا يمكن لأي منصف أن يقفز على لحظة التصويت الذي جرى، أول أمس، بالبرلمان على القانون المنظم للهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، التي يعول عليها لتلعب دور الدركي الدستوري لمحاصرة رقعة الفساد الذي يشكل جرائم بطبيعته وتكون عناصره الجرمية واضحة، أو الفساد الذي يتخذ شكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن يكتسي صبغة جرائم قائمة بذاتها. المهم أننا أصبحنا أمام مؤسسة دستورية ذات أنياب لها ما يكفي من الصلاحيات الوقائية والتدخلية، لتلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد وبالمخالفات الإدارية والمالية، والتأكد من حقيقة هذه الأفعال والوقائع، من خلال دراستها باستثناء الملفات والتبليغات والشكايات المتعلقة بالقضايا المعروضة على القضاء. كما يمكن للهيئة القيام بالتصدي التلقائي للفساد والاستماع إلى المشتبه في تورطهم في قضايا الفساد، وإحالة ملفاتهم على القضاء.
لذلك نقول إننا كنا أمام لحظة مفصلية، والتخوف أن نعيد تكرار القانون الذي وضعته ميتا حكومة عبد الإله بنكيران، ودفنته حكومة العثماني في الربع ساعة الأخيرة من عمرها، دون أن ينتبه أي أحد إلى أن المغرب اعتمد قانونا لهيئة محاربة الرشوة في 2014، ثم أنهي العمل به في 2021، ودون أن يقدم أي إضافة في محاربة الفساد رغم الشعارات الطنانة التي رفعتها حكومتا حزب العدالة والتنمية، ولم نسمع أن الهيئة في حلتها الحالية تدخلت في ملف للفساد، أو أحالت بعض الفاسدين على القضاء، أو اقترحت تدابير صارمة في مواجهة غول الفساد، بل ظلت قطعة لتأثيث المشهد الدستوري والقانوني دون أي أثر يذكر.
واليوم نحن أمام تحدي التطبيق الفعلي المنتج للأثر، فصياغة القوانين الجميلة والوردية ليس بالأمر العسير على الحكومات والبرلمانات، لكن لا يمكن الاعتماد عليها وحدها في معركة محاربة الفساد، فالنصوص لوحدها لا تقضي على اللصوص، وإعلان الحرب على الفساد يحتاج قبل النصوص إلى النفوس والرجال القادرين على الوقوف في وجهه دون خوف أو وجل. أما أن نعيد تكرار قانون 2014 الذي ظل حبرا على ورق، فهذا لا يعني إلا شيئا واحدا الرسم في الماء.