عمرو الشوبكي
برعاية أمريكية سعودية، استضافت مدينة جدة محادثات ضمت ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أسفرت عن توقيع الطرفين على إعلان جدة الذي وضع ثلاثة شروط و21 التزاما على طرفي النزاع.
ويعتبر إعلان جدة هو أول اتفاق بين القوتين المتحاربتين منذ اندلاع المواجهة بينهما في 15 أبريل الماضي، وشمل التزامات إنسانية واتفاقا على الدخول في محادثات مباشرة جديدة، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار يتجاوز مسألة الهدنة الإنسانية.
وقد نص الاتفاق على أن هذا الإعلان لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه، ولا يعني الانخراط في أي عملية سياسية. كما نص أيضا على ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، والامتناع عن أي هجوم من شأنه أن يتسبب في أضرار مدنية، وعدم استخدام المدنيين دروعا بشرية، وضمان عدم استخدام نقاط التفتيش في انتهاك مبدأ حرية التنقل للمدنيين والجهات الإنسانية، والسماح لهم بمغادرة مناطق الأعمال العدائية طوعا وبأمان وحماية احتياجاتهم، وحظر النهب والسلب والإتلاف، واحترام وحماية كل المرافق الخاصة والعامة، كالمرافق الطبية ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
كما طالب الاتفاق أيضا طرفي النزاع بضرورة الامتناع عن تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، والانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين، والامتناع عن أي شكل من أشكال التعذيب.
وتبدو أهمية اتفاق جدة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في أنه يفتح الطريق أمام وقف إطلاق النار لأسباب سياسية، أي البناء على ما تم الاتفاق عليه وخلق واقع جديد ينهي المواجهات المسلحة، ويعيد البلاد إلى طاولة الحوار السياسي المتعثر.
والحقيقة أن امتداد المرحلة الانتقالية لأربع سنوات، وكان مقررا في حال طبق الاتفاق الإطاري أن تمتد لعامين آخرين، لتعيش البلاد في مرحلة انتقالية مدتها 6 سنوات، وهي مرحلة طويلة جدا على أي بلد يعاني من انقسامات سياسية وعرقية وأزمات اقتصادية- أدى إلى تجاهل توازنات القوى على الأرض وصراع السلطة في ظل غياب سلطة مركزية متوافق عليها أو منتخبة، انتهاء بالانقلاب على المسار السياسي برمته بمواجهات مسلحة بين المكونين العسكريين.
إن حجة كثير من القوى السياسية لتبرير طول المرحلة الانتقالية هي تفكيك النظام القديم، ولكنها اكتشفت بعدها أنها أضعفت قوى الثورة نفسها وقسمتها وقوت قوى النظام القديم، وختمت بمواجهات مسلحة بين طرفي المكون العسكري يدفع ثمنها الشعب السوداني وأيضا مسار بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
إن نجاح مفاوضات جدة في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يتلوه الدخول في مسار سياسي ينهي المرحلة الانتقالية، ويعمل على تأسيس نظام سياسي جديد يراعى التنوع الموجود في السودان ويخرج البلاد من مأزقها.