شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

إعدام يوم عيد المولد

يونس جنوحي

 

عندما دفع المغاربة لأول مرة مقترحا رسميا للمطالبة باستقلال المغرب، حدثت واقعة سقطت، ربما سهوا أو قصدا، من التاريخ ولم يلتفت إليها أحد. إذ بعد مقترح عريضة 11 يناير الشهيرة سنة 1944 للمطالبة بالاستقلال، حاولت فرنسا فتح باب الحوار مؤقتا، وحل مبعوث من الحكومة الفرنسية اسمه السيد «ماسيكلي»، وكانت مهمته فتح باب الحوار مع السلطان محمد بن يوسف.

وعندما غادر هذا المبعوث بوابة القصر الملكي في إحدى أمسيات نهاية يناير، كان جو من التفاؤل يخيم على الجانبين. لكن في نفس مساء 29 يناير وقع أمر مفاجئ، إذ صدر أمر رسمي باعتقال أحمد بلافريج وبعض رفاقه، ووجهت إليه تهمة رسمية بالتجسس على فرنسا لفائدة ألمانيا.

ليس هذا هو الحادث الذي وقع سهوا من التاريخ، بل الحادث هو ما جاء لاحقا.

ففي الوقت الذي كان فيه بلافريج يتحسس ظلام الزنزانة، انتشر الخبر سريعا في الرباط وخرجت الحشود إلى ساحة المشور بالقرب من القصر الملكي، ورُفعت الشعارات ضد هذا الاعتقال.

لكن ما وقع، أن بعض من أصبحوا يُسمون في زمننا الحالي «البلطجية» تسللوا إلى داخل المظاهرة التي كان يقودها شباب مثقف مكون، وبدؤوا يكسرون واجهات المحلات ويلحقون أضرارا بالسيارات ومصابيح الإنارة، ويرمون الحجارة على المارة.

كانت سيارة تمر بالقرب من المظاهرة، لكن الراكب في المقعد الخلفي لم يكن شخصا عاديا، بل كان مدير التشريفات في القصر الملكي، وأحد أقرب المقربين إلى الملك الراحل محمد الخامس. كان الأمر يتعلق بمحمد المعمري، المنحدر من أصل جزائري. هذا الأخير التحق بـ«دار المخزن»، أيام المولى يوسف، واشتغل في الإدارة، وسرعان ما أصبح داخل دائرة السلطان الجديد.

أصيب المعمري في الحادث، وبدأت الشكوك تحوم حول مقاصد تلك المظاهرة التي كان الهدف الأول من تنظيمها التنديد باعتقال أحمد بلافريج، الذي سوف يصبح بطبيعة الحال رئيس ثاني حكومة بعد استقلال المغرب.

الحصيلة في ذلك المساء، كانت وفاة مواطنين مغربيين بسبب أحداث العنف وجرح العشرات. وتوفرت لفرنسا ذريعة لإنزال الجيش في شوارع الرباط، وفرض حظر التجول.

رفعتم عريضة حضارية للمطالبة بالاستقلال؟ جاء الجواب على الطريقة الفرنسية.

عندما نزل الجيش إلى الشارع، خرج الناس للاحتجاج، خصوصا وأن خطة زرع فرنسا للمخربين وسط المتظاهرين صارت مكشوفة. وخلال الاحتجاج وقعت صدامات عنيفة واعتقالات.

وألقي القبض على الشاب المختار جزوليت، الذي كان أحد أبرز الشبان المغاربة المثقفين والمنحدر من أسرة وطنية. وكانت تهمته الوحيدة أنه كان من شبيبة الحركة الوطنية.

نظمت له محاكمة سريعة، وصدر ضده حكم بالإعدام نُفذ يوم عيد المولد النبوي.

وعندما وصل خبر تلك المظاهرات إلى المدن الأخرى، خرجت فيها مظاهرات أخرى وشنت فرنسا حملات اعتقال واسعة. بل وصل نبض الشارع إلى الإدارات، وكانت النتيجة إقالة وزير العدل المغربي الذي كان معروفا بمواقفه الوطنية هو الآخر، ويتعلق الأمر بشيخ الإسلام محمد العربي العلوي، والذي بالكاد يعرف المغاربة عنه اليوم معلومات متناثرة هنا وهناك.

موقف من الأحداث كلف وزير العدل منصبه، بل وجرى تنقيله، في إطار التنقيلات العقابية التي سنتها فرنسا، وتم تعيينه في الصحراء. حتى أن هذه الواقعة يمكن اعتبارها اليوم دليلا آخر على مغربية الصحراء، قبل أن تغادر فرنسا وتترك مشاكل الحدود.

عندما نسمع اليوم أن رئيس الجمهورية الفرنسية اعتذر باسم فرنسا والفرنسيين عن ممارسات الاستعمار لدولة ما، دائما نطرح السؤال هنا، متى سوف يفكرون في الاعتذار للرباط؟

لكن قبل أن يأتي هذا اليوم، علينا أولا أن نعيد قراءة هذه الوقائع لاستخلاص العبر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى