إعادة الاعتبار للحكومة
لا حديث اليوم في الأوساط السياسية ولدى المهتمين بالشأن العام، إلا عن هوية التوليفة الجديدة لحكومة عزيز أخنوش، ويبدو أن الطريقة التي دبرت بها مسارات تشكيل الحكومة المقبلة خلقت نوعا من الجدية وإعادة الاعتبار لولادة جديدة للسلطة التنفيذية، سواء خلال مرحلة المشاورات التي أجراها الحزب المتصدر مع أمناء كل الأحزاب السياسية أو خلال جولة المفاوضات بين التحالف الثلاثي لرسم حدود القطاعات الوزارية.
لقد بدا واضحا أن جميع الأحزاب لا تناقش قضايا مصيرية كتشكيل الحكومة في شوارع الفيسبوك، وصالونات البيوت أمام طاولة مليئة بكؤوس شاي، وأن قرارات التحالف لا تتخذ ببيت الأمين العام للحزب المتصدر، وأن تصريحات المشاركين في الحكومة أو المعارضين لها لا تطلق على العواهن في الهواء كما كان يجري خلال مخاض ولادة حكومتي بنكيران والعثماني.
لقد حضرت المسؤولية السياسية وأخلاق رجال الدولة بشكل كبير في تدبير هاته المحطة المفصلية، وطغت قيم أمانة المجالس دون أن يتحول الحدث إلى سر من أسرار الدولة، فالسرية والكتمان في تشكيل حكومة أخنوش كان لهما نطاق محدود وفق تصنيف يحدد درجة السرية ووفقا لمحتوى المعطيات، وليس أن يتحول تاريخ ومكان لقاء تفاوضي وتصريح سياسي إلى سر وكأنه لقاء عشاق في مكان مجهول، وربما علينا أن ننتظر سنوات قادمة ليتسنى لنا معرفة تفاصيل ما جرى خلال المفاوضات لتشكيل هاته الحكومة.
المهم أننا اليوم أمام تحول رمزي وجوهري في تشكيل الحكومات ينقلنا من تدبير شعبوي فوضوي يستغل الإعلام للضغط على المفاوضين كما كان يفعل عبد الإله بنكيران إلى تدبير عقلاني واقعي لا يجعل من محطة تشكيل الحكومة فرصة لتصفية الحسابات السياسية أو لحظة لابتزاز الدولة أو تحويل الحكومة إلى ملكية خاصة بذريعة الشرعية الانتخابية، فهاته الأخيرة لا تعطي الحق لأي كان ليتحول إلى مالك لمفاتيح الدولة ومقرر لمصالحها باستثناء رئيس الدولة وحامي المؤسسات والساهر على احترام الدستور.
ويقينا فإن الصيغة التي دبرت بها ولادة الحكومة، ستمهد الطريق لإعادة الاعتبار للسلطة التنفيذية في الحياة السياسية بعدما تعرضت هاته المؤسسة الاستراتيجية في النظام السياسي طيلة العقد الأخير لعملية تجريف شعبوي أتى على الأخضر واليابس وقضم أجزاء كبيرة من وضعها الاعتباري، واليوم هناك حاجة ماسة لحكومة منتخبة أكثر هيبة وفعالية لأداء وظائفها الأساسية في صناعة السياسات العمومية وتحسين عيش المواطن.