زكرياء بن الحسين
يصنع البرلمان المغربي في اللحظة الراهنة الحدث، ويحتل العناوين المثيرة، ويمثل بامتياز غرابة الواقع السياسي في المغرب.
المشكلة أن الحدث لا يرتبط بالوظيفة الأساس لمجلس النواب، وهي التشريع ومراقبة الحكومة كما تنص على ذلك الديمقراطية المجردة، بل يرتبط بأشياء أخرى لا تتعلق بالسياسة بمفهومها الصحيح والمتعارف عليه. الدولة في هاته الحالة تتحمل المسؤولية، لأنها تشغل نفسها أكثر بالجانب التقني للديمقراطية من حيث توفير مكاتب التصويت وتحديد وقت بداية ونهاية الحملات الانتخابية وغير ذلك، والحال أن الممارسة الديمقراطية الحقيقية تبدأ بعد أن يتشكل البرلمان.
أكثر ما يدل على هذا ما تناقلته وسائل الإعلام أكثر من مرة، حول نواب برلمانيين يمارسون في مقر البرلمان أشياء تهم حياتهم الشخصية، كالاحتفالات بعيد الميلاد، وأشياء تنتمي إلى هوس وسائل التواصل الاجتماعي، كتسجيل المداخلات على المباشر وانتظار نقرات الإعجاب، وآخرين يستخدمون لغة لا رسالة فيها، بقدر ما تهدف إلى الإثارة المجانية بما تحويه من وحشي الكلام وقبيحه.
سلوك النائب البرلماني المنساق خلف موجة عاتية تتسم بالتباهي والتفاهة والسطحية وتجرف فئات واسعة من المجتمع، سلوك لا يعذر ولا يبرر وقد يفسر فقط. فالإعذار والتبرير ليسا مقبولين، حتى لو تحجج البعض بحجة أن النائب ابن بيئته، لأن البرلماني له وظيفة محددة لا يدخل ضمنها التماهي مع علل وأمراض الواقع. ومع ذلك يبقى هذا أهون من واقع آخر. فالخبر اليومي لا ينقل فقط ممارسات النواب الغريبة عن السياسة كل الغرابة والاغتراب، بل ينقل كذلك الكثير مما يرتبط بالمجال الجنائي: نائب في ذمته ضرائب تجاه الدولة يرفض أداءها، ونائب ثبتت في حقه جريمة تبديد المال العام («التبديد» لفظ مخفف لا يعكس الحقيقة كلها)، وبرلماني ثبت في حقه تزوير في وثائق، هذا كله والبرلمانيون يوصفون بنواب وممثلي الأمة، وهذا الوصف نفسه فيه إساءة كبيرة إلى الأمة، حين يكون ممثلها متورطا في قضايا جنائية. وكيفما كان الحال، ليست الأمة جماعة من الخارجين عن القانون، كي تبحث عن أشخاص يشبهونها، كي يمثلوها في المجالس والمؤسسات السياسية. وهذا يستدعي إطارا أخلاقيا وجنائيا صارما لوظيفة النائب البرلماني، يحمي الأمة من أي إساءة تتعرض لها من جراء ممثل لها يلطخ صورتها.
هذا الواقع الناشئ يحمل ردا بليغا وصريحا على تساؤلات متواترة، بخصوص العزوف عن السياسة الذي صار جليا. فالمطلوب أولا وجود السياسة قبل الحكم على حقيقة العزوف عنها. والسياسة واجهتها هي الأحزاب، والأحزاب ليست سوى المنتمين إليها والذين يمثلونها في المجالس. والمطلوب كذلك حماية السياسة من نواب ومنتخبين، يدفعون الناس إلى الكفر بالسياسة وجدواها.