حسن البصري
قال صديقي المدرب المعطل وهو يحتسي قهوته السوداء، ويتابع مستجدات إضراب المدرسين عبر هاتفه الذكي الذي تسللت إلى شاشته تصدعات عاديات الزمن: «متى سيتضامن المدربون المغاربة ويعطلون بعصيانهم دوران الكرة في الملاعب؟».
حاولت إقناعه بامتيازات المدربين وعيشهم الرغيد والشهرة التي تحفهم في حلهم وترحالهم، فانتفض وشرع في إحصاء إكراهات مهنة محفوفة بالمخاطر.
المدربون في بطولاتنا بكل تصنيفاتها، لا يجتمعون تحت سقف نقابة، لا يعرفون مصير «قانون المدرب» المعتقل في دهاليز الأمانة العامة للحكومة منذ سنوات، لا يعصون أمر رؤسائهم ويخفضون لهم جناح الذل من الرحمة.
لم يسجل تاريخ الكرة المغربية عصيانا لمدربي فرق البطولة الوطنية بكل تصنيفاتها، رغم أن غالبيتهم يقتاتون من رواتب تخطئ موعدها، ومنح معلقة في مشجب شروط جزائية مجحفة.
إذا انطلقنا من فرضية كون المدرب جزءا من المنظومة التربوية، فلماذا لا يزوره مفتش خلال حصة تدريبية، ولا يخضع لمسطرة الترقي إلا إذا كان من المحظوظين وحصل على شهادة تدريب كتب في ذيلها:
«هذه الشهادة لا تلزمنا بتشغيلك»
ولأن الصدف شاءت أن يجتمع التعليم والرياضة تحت سقف وزارة واحدة، فإن شكيب بن موسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ورئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ورئيس مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، سيجد نفسه في موقف حرج إذا أعلن المدربون العاطلون العصيان.
لا يملك بن موسى عصا موسى، ولا يستطيع إعادة الثقة في علاقة المدرس بالحكومة، وهو الذي لا يربطه بالتربية والتعليم إلا التوقيع على المذكرات، علما أن الرجل الذي يتأبط اليوم حقيبة التربية والرياضة، كان يوما مديرا لشركة الخمور في الدار البيضاء.
آمن الرجل اليوم بأن الأستاذ هو نواة عملية الإصلاح، وتبين أن تقرير النموذج التنموي قد قفز على المدرس ولم يوفه التبجيلا.
يربط رؤساء الفرق استمرار المدربين في مناصبهم بالمردودية، ويتحدث الوزير عن المردودية أمام ممثلي نقابات المدرسين، وفي الحالتين يجانب الرئيس والوزير الصواب، لأنه لا مردودية دون توفير شروطها من بنيات تحتية وضوابط مهنية.
صحيح أن راتب آخر مدرب في بطولة القسم الأول، يعادل راتب وزير مع الإعفاء من الرسوم الضريبية، إلا أن مستقبل المدرب مرهون بالنتائج وبمزاج الرئيس الذي يقدمه قربانا للمشجعين الغاضبين كلما ضربت ارتدادات كروية كيان الفريق.
هناك من المدرسين من يطالب بالعدالة «الأجرية» بين المربي في الفصل الدراسي والمدرب المرابط في الملاعب، وهناك من المدربين من يطالب بالعدالة «الأجرية» بين المؤطر المحلي والأجنبي، وبين المطلبين مساحة مزروعة بالألغام وعلامات الاستفهام.
حين ننزل في سلم المدربين ونتوقف عند مدربي الفئات الصغرى، سنكتشف حجم المعاناة وقساوة مسلسل تفقير صانعي الأجيال، سيذكر التاريخ مدربين جمعوا بين التربية والكرة، لقد مات عبد القادر جلال وبا سالم وأيت أوبا والصويري دون أن ينتبه لرحيلهم أحد، ويعيش باقي صناع ومرممي الكفاءات على عتبة الفقر، اسألوا عن البودالي والمرحوم وعشرات النسخ من هؤلاء المدرسين الذين علموا الأجيال كيف يسددوا الكرات فسددهم الزمن بقذيفة صوب شبكة الهشاشة.
بين التعليم وكرتنا نقط تقاطع عديدة، فبالقدر الذي ينشغل فيه بن موسى ببرمجة مواعيد الامتحانات الكبرى، ويقض مضجعه رهاب موسم أبيض، بقدر ما يخشى عبد السلام بلقشور رئيس العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية من موسم كروي متقطع الأوصال، وينشغل ببرمجة المؤجلات ويضرب الأخماس في الأسداس لإنهاء البطولة في موعدها ويسرح اللاعبين والمدربين والمشجعين.
من المفارقات العجيبة في عالم الكرة، أن البطولة تنتج الهدر المدرسي، وبرامج إصلاح التعليم تعمل على علاجه.
ما ضاع حق وراءه طالب، ليس القصد هنا المدرب عبد الرحيم طالب.