إصلاح عميق
أعلن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، خلال المجلس الحكومي الأخير، عن حل جديد لمحاصرة التضخم والحد من ارتفاع الأسعار، سواء بالنسبة إلى المواد الفلاحية أو المنتجات الغذائية الفلاحية. يقوم الإجراء القانوني الجديد على تحفيز الفلاحين بإعفاء المنتجات من الضريبة على القيمة المضافة “TVA”، بهدف حماية السوق الوطنية، وضمان تموين جيد من المواد الأساسية، ومواجهة تقلبات أسعار المنتجات الفلاحية الناتجة عن نقص التساقطات والصعوبات المسجلة في التموين على الصعيد العالمي.
بلا شك أن الإجراء الذي أقدمت عليه الحكومة في هذا الوقت بالذات، لا يمكن سوى التنويه به، لأنه سيعالج جانبيا بعض المشاكل، لكنه غير كاف لاستئصال الأعطاب البنيوية التي تعاني منها المنظومة الفلاحية في ظل متغيرات مناخية هيكلية وتوترات جيواستراتيجية لا أحد يعلم امتداداتها وتداعياتها وارتفاع حجم الطلب، شكلت اختبارا حقيقيا لمنسوب الصمود الذي يستطيع مواجهته القطاع الفلاحي.
والحقيقة أن قطاع الفلاحة الذي حقق إنجازات لا يمكن إنكارها منذ عام 2008، من خلال مخطط المغرب الأخضر في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة تأهيل وإصلاح عميقين، يسقطان أولا قلاع الريع والاحتكار وتضارب المصالح التي أصبحت متحكمة في رقبة المجال الفلاحي، وليس لبعض الإجراءات التجميلية كما هو الوضع الحالي.
فالجميع أصبح مقتنعا بأننا في حاجة إلى ثورة فلاحية شاملة، تجعل الفلاحة ذات الطابع الاجتماعي في قلب معادلتها، ثورة تتيح تنمية فلاحية حقيقية يجني ثمارها الجميع، فمن غير المقبول في زمن الندرة الغذائية التي نعيشها وفي ظل السخاء العمومي الموجه إلى الفلاحين من أموال دافعي الضرائب، أن يتحول الأمن الغذائي للدولة إلى لعبة في يد حفنة من كبار الفلاحين وقائمة من الوسطاء والمحتكرين.
وما لم تبادر الحكومة في أقرب وقت إلى مراجعة عميقة للسياسة الفلاحية في ظل المتغيرات الطبيعية والوبائية والتوترات الخارجية التي أصبحت معطيات هيكلية، واستخلاص جملة الاستنتاجات والأهداف الاستراتيجية التي يمكن اتباعها في رسم السياسات التصحيحية للقطاع، وتحديد أولويات العمل للعقد المقبل، فإن أمننا الغذائي سيبقى تحت رحمة السماسرة ورهين سياقات مفاجئة خارجة عن إرادتنا.