إشهارات تحقيرية
- مراد العشابي
اﻹعلان فن لا يحتمل رسالتين في الوصلة اﻹشهارية الواحدة، ﻷن الرسالة الثانية تلغي اﻷولى حتما، مما يصيب المتلقي بالارتباك، فتضيع الرسالة اﻷصلية كما تضيع نقود المستشهر والمعلن عبثا. لكن العبث اﻷكثر إيلاما أن يتضمن اﻹشهار رسائل حاطة من الكرامة اﻹنسانية كما هو الحال مع إعلانات «الفاعل التاريخي» في مجال الاتصالات الذي يريد بها إضحاكنا، لكنه غالبا ضحك كالبكاء حين يستهدف من يعتبره المعلنون بمثابة الحلقة اﻷكثر هشاشة في المجتمع، والتي يمكن التنكيل بصورتها بدون تبعات.
فالمرأة حسب «الفاعل التاريخي» مجرد «شيء» يمكن أن نقترن به، ثم نلغي التزامنا معه يوم العرس المشهود بمجرد مكالمة هاتفية تحقيرية، حيث يقول: «صافي مبقيتش غادي نتزوج» وبعدها يطلق شطحات سخيفة مرددا لازمة: «عاود عيط زيد عيط» ولسان حاله يقول: «عاود عيق زيد عيق»، وكل ذلك من أجل الترويج لبطاقة تعبئة لا يتجاوز ثمنها 20 درهما.
ما زالت صور إشهار مغربي ماثلة بذاكرتي ﻷن تحقير المرأة بها بلغ أوجه: يعود شاب إلى بيته فتستقبله والدته بحرارة، ثم تشير بأصبعها إلى صالون البيت، حيث تتكدس عشرات الفتيات، وتطلب منه أن يختار واحدة منهن! فهل يتعلق اﻷمر هنا ببضائع معروضة للبيع؟ أم أن المرأة «شيء بدون روح ولا رأي عاجزة تماما عن التقرير في مصيرها ؟ وقس على ذلك إعلانات مساحيق التصبين التي تعتبر المرأة آلة للتصبين ووسيلة للقضاء على «الطبايع».
لعل إشهارا بهذه الحقارة من شأنه، تحت سماوات بلدان أخرى أن يخرج آلاف النساء إلى ميادين الاحتجاج للمطالبة بالوقف الفوري لذلك اﻹشهار ومتابعة أصحابه قضائيا، خصوصا بعد أن استفحلت الصورة النمطية للمرأة المغربية في الداخل والخارج، فهي حسب الإشهار في القنوات التلفزية «العمومية» كائن لا دور له سوى استهلاك مساحيق التصبين والبحث عن زوج بأي ثمن، وهي في اﻹعلام الخارجي والعربي بالذات «سحارة» وخاطفة رجال وامرأة لا يؤتمن جانبها قادرة على تخريب بيوت الآخرين في رمشة عين. وهذا يعني أن المرأة المغربية تعاقب مرتين: أولا من ظلم ذوي القربى الذي قال عنه طرفة بن العبد، إنه أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، وثانيا من قبل التنميط والتعميم السائد حول صورة المرأة المغربية في الإعلام العربي. فأين تبدأ مسؤولية المشرفين على الإعلام العمومي في وقف هذا الهجوم المنهجي على المرأة المغربية من خلال بث الإشهارات التحقيرية لبضائع «الفاعل التاريخي» في مجال الاتصالات الذي تجاوزت حموضة إشهاراته حلزونية خدماته وثقلها على القلب والنفس وجيوب المستهلكين التي يتم استنزافها بعروض وهمية أشبه ما تكون بالسراب، أم أن مدراء القطب العمومي يفضلون نهج سياسة «شوف وسكت» حتى لا تضيع منهم كعكة الإشهار السائب ؟».