إشكالية التطبيع مع إسرائيل ورفض حفل فني لأنريكو اليهودي
إعداد : حسن البصري
أفرد الوزير المسكون بالكتابة الصحفية حيزا من كتاباته للصراع الدائر مع إسرائيل، وأكد أن بلاده الجزائر، لا تفكر في إقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة معها، واعتبر ذلك خطا أحمر لدى الجزائريين، رغم الضغوط الأمريكية والغربية التي تمارس ضد الجزائر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتي لا تدعو للخضوع لها أو لغيرها.
اعترف وزير الإعلام الأسبق وعضو مجلس الأمة، محيي الدين عميمور، بالضغوط التي تمارسها واشنطن وعواصم غربية لدفع الجزائر إلى التطبيع مع إسرائيل، دون أن يحدد طبيعة الضغوط أو يشير إلى اسم البلدان التي كانت تدفع في هذا الاتجاه، خاصة في ظل تقارير صحفية نقلتها الصحيفة الصهيونية «جيروزاليم بوست»، حول «تدارس الجزائر لمسألة إرسال مراقبين عسكريين إلى مركز نابولي، قصد المشاركة في مناورات حلف شمال الأطلسي «أكتيف انديفو»، التي تشارك فيها إسرائيل لأول مرة».
قال عميمور إن «الاستجابة للضغوط تتم في حالة ما إذا كانت البلاد منهارة ولا تتوفر على رصيد اقتصادي وسياسي، ولا تأثير إقليميا لها، وهذا كله غير موجود حاليا في الجزائر»، موضحا أن هناك مساومات يمكن أن تقع بين الدول، لكن مع الدولة الصهيونية فهي خط أحمر في علاقات الجزائر الدولية، وأنه لا يوجد مسؤول جزائري يفكر في إقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، أو وجود نوايا لدراسة فكرة إرسال مراقبين لمناورات «الناتو»، وقال «العلاقة مع إسرائيل لا تزال خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه لدى الجزائريين»، رغم مشاركة ضباط جزائريين في اجتماعات الناتو بحضور إسرائيل.
وأضاف عميمور: «في حد معلوماتي فإن قضية العلاقة مع إسرائيل لا تزال ممنوعة»، ويشير إلى أن الصحفيين الذين قاموا بزيارات لإسرائيل يعيشون عزلة منقطعة النظير جراء ما قاموا به دون احترام مشاعر المواطنين، ناهيك عن حادث هبوط الطائرة الفرنسية وعلى متنها أمين سر الرئيس الجزائري، عن طريق الخطأ في إسرائيل، أيام حكم الراحل هواري بومدين، وتم إثرها إنهاء مهام أمين عام الرئاسة آنذاك على خلفية الخطأ المرتكب. ويتابع الوزير الحديث عما أسماه «الفخ» الذي وضع للرئيس بوتفليقة في جنازة الحسن الثاني ومصافحته لرئيس حكومة إسرائيل، دون أن يعطي تفاصيل حول مصممي ما اعتبره فخا.
لكن المستشار الإعلامي يعترف في بوحه بالفضيحة الإعلامية التي ضربت الجزائر جراء تهافت صحافيين على زيارة إسرائيل. «عرفت الجزائر فضيحة إعلامية لم أتردد في أن أكتب عنها في «الأهرام» يوم 10 يوليوز، وما أعدت نشره بتفاصيل أكثر في الصحافة الجزائرية إثر ذلك، وأشير إليه هنا لأنه كان من الأسباب التي استقطبت ضدي أعدادا من الصحفيين وجدتهم أمامي في ما بعد. وقلت في الصحيفة الدولية وما نشر كالعادة بتفاصيل أكثر في الصحافة الوطنية، وتحت عنوان «الفضيحة» كان رد الفعل على زيارة صحفيين جزائريين لإسرائيل بالغ الحدة وقد يؤخذ عليه أنه جعل من وكالة الأنباء الجزائرية التي أصدرته واستندت فيه إلى تصريح لمسؤول في رئاسة الجمهورية، ندا لبعض من يعملون في بعض الصحف الجزائرية الخاصة، وهم لا يساوون مجتمعين، هيكل أو الخولي أو حمروش أو نبيل خوري أو فؤاد مطر أو بكر عويضة… أو… أو، وليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها بعضنا إسرائيل، فقد قام بذلك عدد من الأشخاص خلال سنوات الفوضى والجنون، أيام اختلت المقاييس وضاعت الضوابط».
دخل عميمور في صراع مع زوار إسرائيل الذين عابوا عليه رميهم بالحبر الصيني، لكنهم لم يترددوا في تقديم مبررات الزيارة، كما ورد في كتاب «وزيرا زاده الخيال»:
«برر القوم ذلك بأنهم فعلوها بعد توقيع اتفاقات عربية مع إسرائيل، لكن الأمر لم يثر ردود فعل ذات أهمية، حيث كانت بلادنا غارقة في جحيم الإرهاب، ومن هنا نفهم أهمية الإرهاب، وفوائد الإرهاب، وبعض أسباب الإرهاب».
يعترف الكاتب بوجود تطبيع سطحي مع إسرائيل، بالرغم من تمسكه بقضية الخط الأحمر، حيث قال: «لم تكن الجزائر غافلة عن أن إسرائيل راغبة كل الرغبة في إقامة علاقات وثيقة معها، تتجاوز حدود التطبيع السطحي إلى أعماق كانت تحلم بها الوكالة اليهودية منذ عهد هرتزل. وربما كانت الأهداف الإسرائيلية المرحلية ترمي إلى الالتفاف حول عملية السلام لتضغط على الفلسطينيين عبر أصدقاء جدد للكيان الصهيوني. وبالطبع فإن صديقا في وزن الجزائر يمكن أن يكون له دور حاسم في إضعاف القوة التفاوضية العربية، وإرباك الساحة بما يحدثه من توترات بين الجزائر وكل الأشقاء المعنيين بقضية الصراع العربي الإسرائيلي». أوضح الوزير أن رفض التطبيع العميق ينطلق من «الرؤية السياسية والبصيرة المستقبلية التي حرصت الجزائر على أن تجسد كل مواقفها وتصرفاتها وانتمائها الحضاري العربي الإسلامي، والتزامها بدور إيجابي فعال في تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة، دور يتكامل مع جهود الأشقاء بدون أن ينافسهم أو يثقل عليهم. ووقفت الجزائر بالمرصاد لمن يعملون عندنا وعند غيرنا، وفق تصور محدد للعولمة، يستهدف إذابة ثوابت المجتمعات العربية وتحويل الوطن العربي كله إلى بيت بدون سقف ولا جدران». ولم يكن نفوذ إسرائيل الدولي، سياسيا وماليا، غائبا عن ذهن صانع القرار الجزائري وعن مخططاته، لكن الجزائر ظلت ترفض، يقول الكاتب، أن تدخل من الأبواب الخلفية أو أن تتعامل بشروط الغير، ولم يتردد الرئيس الجزائري أمام يد باراك الممتدة على هامش جنازة العاهل المغربي، وكان في إمكانه أن يفر من المواجهة، أن يجاهر بموقفه، ويؤكد أن الطريق إلى الجزائر يمر عبر سلام عادل يلبي المطالب المشروعة لكل الأشقاء، ويلقي جانبا بكل الأطماع التوسعية، السياسية والاقتصادية والفكرية، بل والسياحية، ويفهم بأن «لجزائر ليست في حاجة إلى هواة وقومجية، وبأن محاولات الضغط من الداخل ستؤدي إلى نتائج عكسية». برز ذلك بوضوح خلال الأزمة التي أثارها مشروع زيارة أنريكو ماسياس للجزائر، والذي أرادت أوساط معينة أن تحوله إلى عملية تطبيع شعبي مع اليهود الفرنسيين، من أصل جزائري ليكونوا حصان طروادة للوجود الإسرائيلي المؤثر، الذي يستفيد من فشل تجارب التطبيع في الأقطار العربية. فقد رفض عميمور الترخيص للمغني اليهودي رغم أصوله الجزائرية، كي يحيي حفلاته في الجزائر.
لكن محيي الدين كانت له مواقف مع المطربين العرب أيضا، يقول إن بومدين كان يشجع وردة على العودة للغناء بعد انقطاع طويل، وأعطى تعليمات لتلبية طلباتها استعدادا للعيد العاشر للاستقلال، وكان هدف بومدين أن تكون وردة ندا لأم كلثوم في مصر وفيروز في لبنان وإديث بياف في فرنسا، أي أن تكون الفنانة التي تمثل الجزائر عبر أغانيها بالعربية الفصحي وأحيانا باللهجة الجزائرية المبسطة أو الأغاني المشرقية المنسجمة مع الذوق الجزائري، وتكون صوتا للشعراء العرب كافة، لكن بليغ حمدي «استولى عليها» ومصرها بحيث توقفت تماما عن غناء الأناشيد الوطنية الجزائرية، وضاعت في بحر الفن المصري متوجهة أساسا للمشرق ومنقطعة تماما عن الجزائر، بحيث لم يعد يربطها فنيا معها إلا الاسم، وراحت تغني أغنيات «يطبخها» لها بليغ تعبيرا عن مشاعره، وهو الذي كان يشعر بعقدة نقص نتيجة لقصره، رغم أنه كان طويل القامة فنيا.
وسبق لوردة الجزائرية أن كشفت في أحد حواراتها للأهرام، أن كوكب الشرق أم كلثوم عاتبت الموسيقار الراحل بليغ حمدي عتابا شديد اللهجة بعد اكتشافها أنه وظّف صوتها في أغنيتي «بعيد عنك» و«أنساك» لإيصال رسائل حب لوردة.
«ما أحسست به طوال عملي مع الرئيس هو أن بومدين كان مصدوما من موقف الفنانة بحيث أنني لم أسمع منه خيرا أو شرا ولا مدحا أو ذما منذ 1972 وحتى وفاته، وعندما لا يعلق الرئيس نفهم خلفية صمته».