قاسم أشهبون
جاء صيف 2022، وها هم مغاربة العالم يتهاطلون على الوطن من كل أصقاع المعمور، مفضلين إياه لقضاء عطلتهم السنوية، رغم غلاء أسعار التذاكر، ورغم المزايا والإغراءات التي تتيحها وجهات سياحية أخرى. وتشير التقديرات إلى أن هذا الصيف سيعرف أكبر توافد للجالية المغربية مقارنة بسابقيه، إذ إن عدد الوافدين قد يتجاوز ثلاثة ملايين زائر. وهو رقم قياسي وليس بمستغرب، بعد سنتين كاملتين من الإغلاق الكلي أو الجزئي للحدود المغربية في وجه الملاحة الخارجية، بسبب الجائحة.
لا أبالغ إذا قلت إن الجالية المغربية بالخارج هي أكثر جالية ارتباطا بوطنها الأم، ليس فقط من طرف الجيل الأول والثاني، بل وحتى من طرف الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت خارج المغرب. وأظن أن هذا موضوع مثير يستحق البحث فيه من طرف طلاب الجامعات.
وارتباط مغاربة العالم بالوطن الأم لا يتجلى خلال فصل الصيف فحسب، بل إن أحد أبرز تجلياته التحويلات المالية للجالية، سواء إلى الحسابات الخاصة في الأبناك المغربية، أو كمساعدات للأقارب والمحتاجين بالمغرب. وكلنا نعرف أن انطلاق الهجرة المغربية إلى أوروبا، منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، كان بدافع تحسين الوضع الاقتصادي للمهاجر ولعائلته. وكان الاعتقاد السائد آنذاك هو الهجرة للعمل لبضع سنوات، ثم العودة نهائيا بعد توفير مبلغ من المال لاستثماره في مشروع قار بالمغرب. ولكن أمد هذه الهجرة المؤقتة سيطول، ليتحول مع مرور الوقت إلى إقامة دائمة.
وخلال كل هذه الفترة الممتدة على مدى ستين سنة، لم يتخل المهاجرون المغاربة والمواطنون من أصل مغربي (من منظور بلدان الاستقبال) عن إرسال تحويلات إلى وطنهم الأم. ومصاريف هذه التحويلات يمكننا تصنيفها إلى 3 أقسام:- ودائع في الأبناك، وتحويلات استثمارية، سيما في مجال العقار، وتحويلات استهلاكية مباشرة لإعالة الأسرة، وأحيانا بعض الأقارب والمعارف.
وكل هذه التحويلات تعتبر من أهم الموارد المالية للخزينة العامة، من حيث مساهمتها في تقليص عجز ميزان الأداءات، وفي الرفع من احتياطي العملة الصعبة لتغطية الواردات وسداد الديون الخارجية. هذا دون أن ننسى الجانب التنموي لهذه التحويلات، من خلال مساهمتها في التخفيف من الفقر، وخلق مشاريع صغيرة بالمناطق التي ينحدر منها المهاجر (وأحيانا خارجها)، تساعد في تنمية الاقتصاد المحلي.
وحسب مكتب الصرف، فقد بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج خلال سنة 2021 حوالي 93,3 مليار درهم، مقابل 68,18 مليار درهم خلال سنة 2020، أي بارتفاع بنسبة 36,8 في المائة. رقم قياسي كبير جدا، بحيث لم يسبق للمغرب أن استقبل مثل هذا المبلغ من قبل عن طريق تحويلات أبنائه بالخارج.
ما يدعو إلى الدهشة أيضا، هو كون هذا الارتفاع الهائل في تحويلات مغاربة العالم خلال عامي 2020 و2021، جاء متزامنا مع الجائحة التي ضربت العالم.
لقد أكدت جائحة «كوفيد- 19» حقيقة الاستعداد الفطري لدى الإنسان المغربي للبذل والعطاء، دون انتظار أي مقابل.. فرأينا كيف تجند مغاربة العالم (أفرادا وجمعيات)، خلال السنتين المنصرمتين، بكل تلقائية وحماس من أجل المساهمة في التخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على إخوانهم من مغاربة الداخل، مقدمين أروع صور البذل والعطاء والتآزر. وللأمانة التاريخية، لعبت الدبلوماسية المغربية خلال الموجة الأولى من كورونا دورا كبيرا في مرافقة العالقين المغاربة خارج الحدود، وإيوائهم وتطبيبهم والتكفل، بعد فتح الحدود الجوية بإرجاعهم إلى أرض الوطن.
وحتى الأمس القريب، كانت جل الجمعيات المغربية بهولندا يتم إنشاؤها على أساس ثقافي أو رياضي أو اجتماعي. ولكن ما أصبح يثير الانتباه في السنوات الأخيرة، هو التزايد المطرد لعدد الجمعيات الخيرية والتنموية التي أصبح يتم إنشاؤها من طرف الأجيال الناشئة. وهي ظاهرة تسري أيضا على باقي الدول الأوروبية التي تعرف وجودا مكثفا للجالية المغربية. وإذ كان يستحيل حصر كل هذه الجمعيات، فإنني سأتطرق باختصار إلى بعضها.
وتعتبر الإغاثة المغربية إحدى أكبر المنظمات الخيرية المغربية بهولندا، (وهي نشيطة أيضا في بلجيكا وفرنسا، وإن بشكل أقل). تعنى بالأعمال الخيرية والتنموية لصالح الفئات الفقيرة والمناطق المهمشة في المغرب، وتركز بالأساس على مجالي التعليم والصحة، من خلال إرسال معدات طبية وتعليمية وسيارات الإسعاف وسيارات النقل المدرسي إلى المناطق النائية، وترميم مدارس وتزويدها بالحمامات.
تنظم حملات جمع تبرعات دورية أهمها: حملة رمضان، حملة الأضاحي، حملة الحقيبة المدرسية، حملة الشتاء. وفي إطار التخفيف من تداعيات الجائحة قامت، خلال السنتين الماضيتين، بتوزيع مساعدات عينية على مئات الأسر الفقيرة في مناطق مختلفة، ومن بينها الريف.
نافذة:
حسب مكتب الصرف، فقد بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج خلال 2021 حوالي 93,3 مليار درهم، مقابل 68,18 مليار درهم خلال 2020.