إسقاط الحكومة
خرج سعد الدين العثماني من عباءة رئيس الحكومة المهادن والسلبي في كثير من الأحيان، ورفع من منسوب جرأته السياسية بإطلاقه تحديا أمام المعارضة بإسقاط حكومته وتفعيل الفصل 105 من الدستور المتعلق بملتمس الرقابة. وبغض النظر عن شعبوية رئيس الحكومة، الذي كان بإمكانه قياس شعبيته بمبادرة دستورية أخرى، فإن خطوته المحرجة عرت ما تبقى من ورقة التوت التي تغطي عورة المعارضة المهترئة.
فما كان للعثماني أن يسخر من المعارضة لو لم يشعر بتهافتها وضعفها وخذلانها، وهذا ليس تجنياً أو حقدا عليها لكنها الحقائق التي عرت الكثير من أعطاب المعارضة التي لا تقوى حتى على تدبير شؤونها الداخلية. بدون شك، لو تجرأ رئيس حكومة في دولة تملك حدا أدنى من المعارضة واستفز مكوناتها بطريقة العثماني، لوجد نفسه في قلب عاصفة دستورية ولاستنفر ممثلو المعارضة كل قوتهم من أجل جمع النصاب القادر على الإطاحة بالحكومة أو على الأقل محاولة فعل ذلك، لكن، للأسف، يحق للعثماني أن يصول ويجول في وجه معارضة صورية لأنه يدرك أكثر من غيره أننا لا نملك شيئا اسمه المعارضة بل كل ما يوجد أمامنا كائنات سياسية منشغلة بحروبها الداخلية وآخر همومها التفكير في سحب الثقة من الحكومة، وحتى وإن تجرأت على التفكير في ذلك فهي لا تملك القدرة على إسقاط الأغلبية.
فالمعارضة التي لم تستطع منذ 2011 الاستفادة من سياق داخلي ميزته مئات الاحتجاجات العمالية والشبابية والفئوية ضد سياسات الحكومة، ولا من سياق إقليمي رافض لوجود حزب العدالة والتنمية في قلب السلطة، وتحركات اجتماعية مناهضة لقرارات حكومة «الإسلاميين»، لن تقدر على رفع التحدي السياسي لإسقاط الحكومة دستوريا وإطلاق مسار جديد للإصلاح نحن في أمس الحاجة إليه.
ويبدو أن استمرار المعارضة نفسَها مرتبط ببقاء الشروط القائمة، لقد أصبح وجودها مرهونا بهذا الاستقرار الضار والضعف الحكومي الواضح، وإلا تعرضت للأفول والانحلال والتآكل الداخلي بسبب صراعاتِها المحتدمة ولغتِها الخشبية وعزوفِها عن العمل الميداني واكتفائها ببيانات الإدانة والتنديد والتعبير عن بالغ أسفها.
طبعا إسقاط الحكومة أو بقاؤها آخر هم المواطن لأنه يدرك أن «ولاد عبد الواحد كلهم واحد»، وأن جرأة العثماني لا تعدو أن تكون ترفا سياسيا وبوليميكا فارغا لا يهمه، فاهتمامات المواطن أصبحت في مكان آخر خارج علاقة الحكومة بالمعارضة. فالمواطن يبحث عن خلاص على طريقته الخاصة، ربما بالاحتجاج في الشارع أو الهجرة أو في وسائل عيش أخرى تنقذ مصيره من الضياع.