شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

إسرائيل تستغل الأوضاع للتوغل داخل سوريا

الشرع يؤكد عدم دخول بلاده في معارك مع تل أبيب

كعادتها، لا تضيع إسرائيل أي فرصة للفوز بالنصيب الأكبر من الأرباح في أي قضية. فقد استغلت الأوضاع في سوريا، بعد فرار الأسد وانهيار النظام، لتقصف أهم المواقع في البلاد، وتدمر بذلك 80 في المائة من قدرات الجيش السوري. وتستحوذ على المنطقة العازلة في الجولان إلى جبل الشيخ، الذي يعد موقعا استراتيجيا وحيويا. فيما يؤكد الشرع أن الأراضي السورية لن تستخدم للهجوم على إسرائيل.

 

إعداد: سهيلة التاور

بعد ساعات قليلة من دخول هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها إلى دمشق، على إثر هجوم غير مسبوق بدأ في شمال سوريا في 27 نونبر الماضي، وانتهى الأحد 8 دجنبر الجاري بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وهروبه من سوريا، أقدمت إسرائيل على إطلاق سلسلة من الغارات الجوية، ونفذ الجيش الإسرائيلي نحو 480 غارة في سوريا خلال 48 ساعة.

وقصفت إسرائيل مواقع استراتيجية على غرار المطارات والرادارات والمركبات المدرعة ومستودعات الأسلحة والذخيرة في عديد المناطق السورية، بما فيها العاصمة دمشق. كما ألحقت البحرية الإسرائيلية أضرارا وخيمة بسفن مجهزة بصواريخ بحر- بحر، قبالة ميناء اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط. وتم قصف «مركز أبحاث علمية» بالقرب من دمشق أيضا، اشتبه في أن يكون على صلة بالبرنامج الكيميائي السوري.

ودمر الجيش الإسرائيلي نحو 80 في المائة من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والدبابات والسفن الحربية، وفق بيانات الجيش الإسرائيلي.

ويكمن الهدف المعلن في تدمير كافة الأسلحة المتبقية في المستودعات والوحدات العسكرية التي كانت تحت سيطرة قوات النظام السابق. فإسرائيل تواجه فترة يسودها فراغ سياسي وأمني ​​في سوريا، فهي تستغل ذلك للاستحواذ على قطعتها من الكعكة، لأنها تدرك أنه كيفما جرت الأمور، سيكون أسهل لها التعامل والضغط على حكومة جديدة ضعيفة عسكريا.

 

توغل ممنهج

باشر الجيش الإسرائيلي التوغل داخل الأراضي السورية القريبة من الشريط الحدودي العازل، واحتلال عدة مواقع استراتيجية، والانتشار داخل القرى وتمشيطها للبحث عمن تصفهم تل أبيب بمطلوبين يعملون لصالح إيران، في حين أكدت مصادر محلية طلب الجيش الإسرائيلي من الأهالي تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، والتي حصلوا عليها بعد هروب جيش النظام المخلوع من مواقعه وترك أسلحتهم في المقار العسكرية أو على جوانب الطرقات، وأن الجيش الإسرائيلي بات يحتل ما تبقى من جبل الشيخ الاستراتيجي، بالإضافة إلى تلول الحمر الاستراتيجية في ريف محافظة القنيطرة.

وأعلنت تل أبيب، يوم 8 دجنبر الجاري، انهيار اتفاقية فصل القوات مع سوريا لعام 1974، وانتشار الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في هضبة الجولان السورية التي تحتل معظم مساحتها منذ 1967، في حين لاقى التوغل الإسرائيلي رفضا عربيا وإقليميا لاحتلال إسرائيل أي من الأراضي السورية.

وبات معلوما للجميع تاريخ التوغل الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة في سوريا، إلا أن الغايات أو موعد انسحاب تلك القوات يبدو سيكون مجهولا، من جانبه، أفصح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن بعض من نوايا حكومته، إذ أعلن صراحة في بيان موجه إلى الإسرائيليين بالعبرية أن ما حدث في سوريا احتلال للمنطقة العازلة، بينما وصف الأمر في بيان بالإنجليزية بأنه «وجود مؤقت».

المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومترا، ويتراوح عرضها بين نحو 10 كيلومترات في الوسط و200 متر في أقصى الجنوب.

وذكر موقع «يوندوف» أن التضاريس جبلية، ويهيمن عليها في الشمال جبل الشيخ، وهو أعلى موقع مأهول بشكل دائم للأمم المتحدة على مستوى العالم على ارتفاع 2814 مترا.

وتابع: «تقوم قوة الأمم المتحدة، بدعم من مجموعة مراقبي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في الجولان، بتفتيش ومراقبة هذه المناطق الفاصلة بشكل مستمر، للتأكد من مراعاة القيود المتفق عليها في الأسلحة والقوات».

وبالإضافة إلى منطقة الجولان إلى جبل الشيخ، احتلت إسرائيل 3 قرى جديدة، مع استمرار توغلها جنوبي سوريا إثر الإطاحة بنظام الأسد. وتتمثل هذه القرى في قرية جملة بمحافظة درعا، وقريتي «مزرعة بيت جن» و«مغر المير»، التابعتين لمحافظة ريف دمشق، وكذلك محافظة القنيطرة.

بينما أكد أحمد الشرع، قائد «هيئة تحرير الشام»، أن الأراضي السورية لن تستخدم للهجوم على إسرائيل.

كما قال في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، أول أمس الاثنين، إننا ملتزمون باتفاق 1974 مع إسرائيل.

واتفاقية عام 1974 وقعت بين سوريا وإسرائيل عقب حرب 6 أكتوبر 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.

 

تبرير الاحتلال

تبرر إسرائيل تحركاتها الأخيرة بالقول إنها تهدف إلى حماية المستوطنات في الجولان، ومنع تسلل المجموعات المسلحة إلى أراضيها. ومع ذلك، تشير التطورات إلى أن الخطوات الإسرائيلية تتجاوز مجرد الدفاع إلى تعزيز نفوذها الإقليمي.

وكان أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، طالب في أكتوبر 2024 بتوجيه ضربة استباقية لنظام الأسد في سوريا واحتلال جبل الشيخ (جبل حرمون) لمنع أي هجوم مستقبلي على مبدأ «تدفيع الثمن».

وحينها قال ليبرمان: «يجب أن يتلقى النظام السوري رسالة تحذير واضحة، مفادها أنه إذا استمر بالسماح باستخدام الأراضي السورية كقاعدة خلفية وكمركز لوجيستي لأعدائنا، سوف ننتزع منهم جبل الحرمون السوري بكل بساطة، ولن نتخلى عنه حتى إشعار آخر».

لكن الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد خالد المطلق يرى أن اهتمام إسرائيل حاليا بالسيطرة على جبل الشيخ- الذي يطل على دمشق، ويحوي على كم هائل من الردارات وأجهزة التنصت وأجهزة الاستشعار عن بعد- يعود لسبب مهم وهو التقليل من الإمكانيات الاستراتيجية للحكم الجديد في سوريا، والحد من القدرات العسكرية الاستراتيجية، لذلك «رأيناهم أخذوا جبل الشيخ وتقدموا، وأخذوا جيبا في القنيطرة»، على حد قوله.

ويكمل بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بالسيطرة الجغرافية، وإنما دمر ما يقارب 250 هدفا خلال يومين وهذا رقم قياسي، مما يعني تدمير البنية التحتية للجيش الذي قد يستفيدون منه في بناء جيش سوري جديد، وهذا أخطر ما في الموضوع، بحسب المطلق.

ومن ناحيته، يوضح الباحث الجناطي أن إسرائيل تهدف من احتلالها جبل الشيخ إلى تأمين استطلاع أكثر عمقا لمناطق في سوريا والأردن وفلسطين، سيما أن منطقة جبل الشيخ باتت تعد محورية لـ«حزب الله»، الذي طور شبكة من النقاط العسكرية الخاصة ومعابر التهريب غير النظامية.

وينوه الجناطي إلى أنه بعد سقوط نظام الأسد الداعم لـ«حزب الله» وسيطرة قوات المعارضة السورية على الجولان ودرعا وريف دمشق، لم يعد هناك مبرر للتوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية ضمن خط وقف إطلاق النار 1974، ويتعين على القوات الإسرائيلية الانسحاب فورا.

وفي السياق، يشير مراقبون للتحركات الإسرائيلية في سوريا هذه الفترة إلى أن ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للمُقدرات السورية على يد الاحتلال «الإسرائيلي» لا يُضعف الدولة السورية المستقبلية فحسب، بل يعمق جراحها، ويهدد مستقبلها كدولة ذات سيادة، خاصة أن التحركات «الإسرائيلية» الأخيرة لا تقتصر على تدمير البنية العسكرية، بل تكشف عن نية واضحة لسلب مزيد من الأراضي السورية، وفرض واقع جديد يخدم مصالح الاحتلال على حساب وحدة وسيادة الدولة.

وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسيين، عُرفا بـ«ألفا» و«برافو»، ويفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية.

كما أنشئت منطقة عازلة بين الخطين، وتخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تعرف بـ«الأندوف».

 

إدانة جامعة الدول العربية

أدانت جامعة الدول العربية توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها بكل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، وعدَّت، في قرار لمجلسها على مستوى المندوبين، ذلك «احتلالا إضافيا لأراضي سوريا، بالمخالفة لاتفاق فك الاشتباك المبرم بين دمشق وتل أبيب عام 1974».

وبهدف «صياغة موقف عربي موحد إزاء قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أراض إضافية بالجولان السوري»، عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعا غير عادي على مستوى المندوبين، بمبادرة مصرية، وبالتعاون مع عدد من الدول الأخرى.

وخلص الاجتماع، بحسب إفادة رسمية، إلى «صدور قرار عربي بإدانة التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة»، مع التأكيد على أن ما فعلته تل أبيب يعد «انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة ، وشددت على أن «اتفاق فض الاشتباك يظل ساريا طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 350 الصادر عام 1974، وطبقا لقواعد القانون الدولي، ومن ثم انتفاء تأثر الاتفاق بالتغيير السياسي الذي تشهده سوريا حاليا».

وأكدت الجامعة العربية، في قرارها المكون من 10 بنود، على «أهمية استمرار دور قوة الأمم المتحدة (الأندوف) في مراقبة فض الاشتباك، والكشف عن الانتهاكات الإسرائيلية»، داعية الأمم المتحدة «للاضطلاع بمهامها بموجب الاتفاق والتحرك الفوري لوقف الخروقات الإسرائيلية».

وأدانت الجامعة العربية، بحسب القرار، «الغارات الإسرائيلية المستمرة على عدد من المواقع المدنية والعسكرية السورية، بوصفها اعتداء على سيادة دولة، وخرقا للقانون الدولي»، كما أدانت «تصريحات مسؤول القوة القائمة بالاحتلال بشأن عد الجولان (جزءا لا يتجزأ من إسرائيل)»، مشددة على أن «هضبة الجولان أرض سورية عربية، وستبقى كذلك للأبد».

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال في مؤتمر صحافي، أول أمس الاثنين، إن «الجولان سيكون جزءا من دولة إسرائيل إلى الأبد».

وعدّ قرار الجامعة العربية التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية «إمعانا في الاعتداء على الأمن القومي العربي، ستتصدى له الدول العربية من خلال الإجراءات السياسية والاقتصادية والقانونية اللازمة»، مؤكدا «الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ومؤسساتها، في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد».

وطالبت الجامعة العربية، بحسب قرارها الأخير، المجتمع الدولي بـ«إلزام إسرائيل؛ بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؛ سيما قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981؛ الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل».

كما طالب القرار المجتمع الدولي و«مجلس الأمن» بـ«إلزام إسرائيل باتخاذ إجراءات فورية وفاعلة لوقف التدابير والممارسات الرامية إلى تغيير الطابع العمراني والتركيبة الديموغرافية والوضع القانوني للجولان، وعدّ جميع التدابير التي اتخذتها ملغاة وباطلة».

وكلف مجلس الجامعة على مستوى المندوبين المجموعة العربية في نيويورك بـ«التحرك لعقد جلسة خاصة في مجلس الأمن، لبحث الممارسات الإسرائيلية التي تهدد السلم والأمن الدوليين؛ بما في ذلك الاحتلال المستجد للأراضي السورية التي توغلت بها إسرائيل منذ الثامن من دجنبر الحالي». وطالب القرار الأمين العام لجامعة الدول العربية بمخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء في «مجلس الأمن»، للعمل على تنفيذ القرار.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى