يونس السيد
نجح الحزب الشعبي اليميني المحافظ بزعامة ألبرتو فيخو في الفوز بأكثرية مقاعد البرلمان في إسبانيا، لكن نجاحه لم يكن كافيا لتشكيل حكومة جديدة، حتى بمشاركة حليفه الوحيد حزب «فوكس» اليميني المتطرف، ما جعله يدخل في لعبة التحالفات مع خصمه الاشتراكي بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الحالي، لحسم إمكانية تولي أحدهما مقاليد السلطة، وتجنب اقتراع جديد.
فرغم حصول حزب فيخو على 136 مقعدا في البرلمان، وحزب «فوكس» على 33 مقعدا، بمجموع 169 مقعدا من أصل 350 مقعدا، أي أقل من 176 مقعدا، وهي الأغلبية المطلقة التي تمكنهما من تشكيل الحكومة. وبالمقابل حصل الاشتراكيون بزعامة سانشيز على 122 مقعدا، بينما حصل حزب «سومر» حليفه في أقصى اليسار على 31 مقعدا، ما يعني حصولهما معا على 153 مقعدا، لكن سانشيز يبقى الأكثر قدرة على تشكيل تحالفات مع بعض الأحزاب الصغيرة مع تقديم بعض التنازلات، ما يرجح حصوله على 172 مقعدا في النهاية، بحسب المراقبين، ويُمكنه من الظفر بولاية جديدة. هذه اللوحة الداخلية التي ترتسم في سماء إسبانيا ليست نهائية، بطبيعة الحال، وهي قابلة للتحرك يمينا أو يسارا بحسب ما تمليه لعبة التحالفات، وفي حال عدم قدرة أي من الفريقين على تحقيق الأغلبية المطلقة، فإن خيار الذهاب إلى انتخابات جديدة، سيتقدم على ما عداه للخروج من حالة الانسداد السياسي؛ لكن على الرغم من ذلك، فإن الأنظار تبقى مشدودة تجاه إسبانيا، لأن ما يجري فيها، مهم على الصعيدين الداخلي والخارجي، فإذا ما تمكن اليمين وحلفاؤه من تشكيل الحكومة، فإنه بالتأكيد سيفرض أجندته السياسية والاجتماعية المغايرة، وسيكون اليمين المتطرف قد وصل إلى المشاركة في السلطة للمرة الأولى منذ سقوط ديكتاتورية الجنرال فرانكو عام 1975. وهو بالتأكيد ما يثير مخاوف الخارج، خصوصا على الصعيد الأوروبي ودول الجوار، فإسبانيا التي ينظر إليها أوروبيا على أنها رائدة في مجال حقوق النساء والعلاقات المجتمعية، وباتت، خلال السنوات القليلة الماضية، تمثل رابع اقتصاد في الفضاء الأوروبي، ستمثل، إذا ما وصل تحالف اليمين إلى السلطة، نكسة حقيقية لأحزاب اليسار الأوروبية. وناهيك بأن ذلك يعزز المقولة الرائجة بصعود قوى اليمين واليمين المتطرف في مختلف أرجاء القارة الأوروبية، فإنه يثير قلقا لدى بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا بشأن التحولات السياسية التي قد تطال مسائل الهجرة والمناخ.
ويرى بعض المراقبين أن إسبانيا التي احتلت مكانة مرموقة داخل الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، وبدأت تترك بصمات سياسية واضحة في القضايا الدولية، كما في أوكرانيا وغيرها، وهي الآن تترأس الاتحاد الأوروبي منذ بداية شهر يوليوز الحالي، ستشكل أوروبيا مصدرا للقلق من حدوث تغييرات جوهرية، في حال نجاح تحالف اليمين في الوصول إلى السلطة. ولا أحد يدري كيف ستكون عليه حال الاتحاد الأوروبي تحت رئاسة اليمين المتطرف، لكن يبقى كل شيء مرهونا بما ستسفر عنه معركة التحالفات الدائرة حاليا.