خورشيد دلي
كثيرا ما يوصف مخيم الهول بقنبلة موقوتة، وهو كذلك بالفعل.
فالمخيم الذي بني عام 1991، في منطقة صحراوية على الحدود السورية – العراقية بإشراف الأمم المتحدة لاستقبال مئات اللاجئين العراقيين خلال حرب الخليج الأولى، تحول بعد تحرير الباغوز عام 2019 إلى أشبه بمدينة داعشية، بعد أن جمعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عناصر داعش المعتقلة فيه.
وتقول التقارير إنه يوجد فيه حاليا قرابة 60 ألف عنصر من داعش وعائلاتهم، وهم من أكثر من 50 جنسية، بينهم نحو 30 ألف طفل، ولعل هذا هو الجانب الأخطر في قضية المخيم.
إذ إن هؤلاء الأطفال ما زالوا يتلقون معتقدات التنظيم الإرهابي من خلال العناصر المعروفة بالحسبة داخل المخيم، ولسان حالهم يقول إن (التنظيم باق، وعائد) ولعل هذا ما دفع البعض إلى القول إن المخيم تحول إلى أكاديمية لجيل داعش الجديد، حيث يشهد المخيم أعمال قتل، وحرقا للخيم، وتهريبا للدواعش، وتلقي أموال وسلاح، ووجود أنفاق.. وهو ما يشير إلى تواصل بين خلايا التنظيم في داخل المخيم وخارجه، بما يشكل خطرا داهما على العراق وسوريا والمنطقة عموما.
من دون شك، بقاء الوضع في المخيم على هذا النحو من الخطورة، يشير إلى جملة عوامل، منها أن «قسد» تعاني من صعوبة كبيرة في السيطرة على المخيم بسبب قلة الإمكانات أولا، ولصعوبة مواجهة حجم التطرف الموجود ثانيا، وثالثا والأهم عدم تجاوب الدول التي لها مواطنون في صفوف داعش في المخيم، مع مطالبة «قسد» الدائمة بإقامة محكمة دولية لمحاكمة هؤلاء العناصر، أو استقبالها من قبل سلطات بلادها، بل وتهربا من هذه المطالبة سارعت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات عقدت من القضية، منها نزع الجنسية عن هؤلاء العناصر لقطع الطريق أمام عودتها إلى بلدانها، رغم إدراك هذه الدول بخطورة بقاء الوضع في المخيم على حاله، وهو ما جعل المخيم إرثا داعشيا صعبا.
أمام هذا الوضع المعقد، وعدم الاستجابة لدعواتها، وخطورة بقاء الوضع على حاله، لم تجد «قسد» أمامها سوى الإعلان عن إقامة محكمة لمحاكمة هؤلاء المتطرفين، وهو إعلان طرح مئات الأسئلة والتساؤلات.
وهي أسئلة من نوع، بأي قانون ستحاكم «قسد» هؤلاء؟ وكيف لـ«قسد» أن تقوم بذلك وهي لا تحظى بأي اعتراف دولي؟ وما جدوى مثل هذه المحاكمات؟
في الواقع، هذه الأسئلة وغيرها، تؤكد وجود مشكلات وعقبات كثيرة في طريق هذه المحكمة أو الجدوى منها، ليس أقلها عدم وجود تفاعل إيجابي من قبل المجتمع الدولي أو المنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية حتى الآن مع خطوة قسد، وهو أمر يعكس عدم وجود أي اعتراف دولي بـ«قسد»، أو الخشية من أن يؤدي أي موقف إيجابي أو تعاون مع هذه الخطوة إلى خلط الأوراق أو تفجر ردود فعل غير محسوبة من دول معنية، إذ إنها قد تجد فيه مدخلا للاعتراف بـ«قسد».
«قسد» ربما تدرك هذا الأمر جيدا، ولكنها ربما رأت في هذه الخطوة تحريكا لملف مخيم الهول، ومحاولة للتخفيف من الأعباء والمخاطر، وهي خطوة من سلسلة خطوات باشرتها، كان أبرزها الإفراج أخيرا عن مئات الدواعش السوريين الذين لم يتورطوا في أعمال القتل بالتعاون مع شيوخ عشائر عربية في المنطقة، ولعل خطوات «قسد» تتكامل مع خطوات عراقية مماثلة.. فهل تنجح هذه الخطوات في التخلص التدريجي من إرث داعش الصعب؟