في وضع طبيعي تتنفس فيه الحياة السياسية هواء ديمقراطيًا نقيا فإن محاسبة مسيري الشأن العام عن طريق القضاء تعتبر أمرًا مرحبا به من طرف الأحزاب السياسية، خصوصا تلك التي في المعارضة، لكن بما أن الطبقة السياسية عندنا مصابة بالرهاب المرضي فإن المحاكمات الجارية والتي أرسلت بعض رؤساء المجالس للسجن وعزلت آخرين، وأيضا التوجيه الذي بعث به رئيس النيابة العامة للقضاة من أجل البت في ملفات رؤساء الجماعات الرائجة أمامهم داخل آجال معقولة، دفعا إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، للخروج بتصريح مثير حول المحاكمات الجارية والأحكام الصادرة معتبرا أن الفساد “يجب أن يحارب على اختلاف أشكاله وأماكن تواجده وأن الأمر لا يتعلق فقط بتوجه معين أو بعض المنتخبين وما قامت به جزئيات صغيرة بأماكن تواجد المال العام بل أيضا أينما تواجدت المؤسسات سواء في أجهزة الدولة والإدارة والحكامة، فلا يجب تبخيس العملية الديمقراطية والحزبية وكأن الفساد حكر على الأحزاب والمنتخبين”.
والواقع أن كلام لشكر في سوس يترجم تخوفا موجودا لدى أغلب أمناء الأحزاب السياسية، فهناك اليوم وخصوصا داخل البرلمان بعض البرلمانيين الذين أصبحوا يلبسون “ليكوش” بسبب حالة الرعب والذهول إزاء ما يقع لبعض زملائهم الذين كانوا إلى وقت قريب يدعون أنهم محميون وأن يد القضاء لا تستطيع بلوغهم وأنهم قادرون على تمطيط زمن محاكمتهم إلى ما لا نهاية.
وعلى مستوى حزب الاتحاد الاشتراكي فإن دائرة المتابعة والمحاسبة صارت تتسع مؤخرا بعدما أصدر قاضي التحقيق بالغرفة الأولى باستئنافية فاس قرارا يرمي إلى إنهاء التحقيق التفصيلي مع النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محمد أبرشان، المتابع باستغلال النفوذ وإنشاء مجموعات سكنية من غير الحصول على إذن والبناء فوق ملك من الأملاك العامة. وقد تم تحديد الجلسة ليوم 16 ماي.
ثم هناك كذلك برلماني من الاتحاد الاشتراكي بفاس تم مؤخرا فتح تحقيق حول بعض الصفقات المشبوهة، كما أن هناك شبهات حول برلماني اتحادي ثالث طفت على السطح بعد سقوط بارون مخدرات الجديدة، والذي دخل الإنعاش بمجرد شعوره باقتراب سيف القضاء من عنقه.
لشكر يطالب القضاء بأن يعمل مشرطه في جسد مؤسسات الدولة والإدارات ومؤسسات الحكامة عوض الاقتصار على المنتخبين الذين يعتبرهم لشكر حائطا قصيرا. فالفساد حسب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي موجود في كل مكان وليس فقط في الأحزاب، وقد أتى على ذكر مؤسسة القضاء، وكأنه يقول للقضاة في شبه تهديد مبطن أن عليهم كنس أبواب بيوتهم قبل كنس أبواب بيوت السياسيين. “زعما يا نتشدو كاملين يا نبقاو سورسي كاملين”.
وكأني بإدريس لشكر يعترف بأن الفساد موجود في حزبه وكما في بقية الأحزاب لكنه يطالب بأن تعم المحاسبة الجميع تطبيقا لقاعدة “إذا عمت هانت”.
ويبدو أن إدريس لشكر نسي أنه يقود حزبا معارضا لديه فريق برلماني يتكون من 22 عضوا كما أن لديه صحافته الحزبية وأطره الذين يسيرون مؤسسات كبرى. وإذا كان هناك من شخص يجب عليه من موقعه أن يحارب الفساد الكبير الذي ينخر المؤسسات فهو الاتحاد الاشتراكي نفسه.
فهل فجر الحزب فضائح فساد داخل البرلمان؟ وهل استعرض أوجه الفساد الذي ينخر هذه المؤسسات ودعا إلى تشكيل لجان لتقصي الحقائق حولها؟
إننا لم نر ولم نسمع أي شيء من هذا القبيل ولذلك فقد كان على إدريس لشكر عوض اتهام القضاء باستهداف الصغار وغض النظر عن الكبار أن يحيي أولا مسارعة القضاء لمعالجة ملفات المتابعات المتعثرة لمسيري الشأن العام، ثم أن يطالب بأن تشمل هذه الحملة ببركاتها بقية “جيوب” الفساد المليئة بالمال العام.
فالأحزاب ليست محصنة من المتابعات ويجب أن يكون أمناؤها العامون أول من يبتهج لرؤية القضاء يطهر الحقل السياسي من الطفيليات الضارة. لا أن يقتدوا ببنكيران الذي كان يحسب كل صيحة عليه وعلى حزبه وينتفض مدافعا عن إخوانه ظالمين أو مظلومين بمنطق “لن نسلمكم أخانا”.