شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

إذا أمطرت في موسكو..

 

 

يونس جنوحي

 

لم تعد الحروب تقوم على صنع الذخيرة والمتفجرات وحدها. فبعد أن كان مصطلح «أثرياء الحرب» حكرا على شركات صناعة الصواريخ ومخازن الذخيرة والرصاص والمتفجرات، أصبح أثرياء الحرب الجدد هم أصحاب شركات تصدير صناعات التكنولوجيا.

وزراء خارجية الدول السبع، أي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، تحدثوا، خلال آخر اجتماع لهم شهر ماي الماضي، عن أرباح طائلة راكمتها الحكومة الصينية من وراء العقوبات المفروضة الروسية. إذ إن المسؤولين الصينيين ينظرون إلى أزمة روسيا على أنها فرصة اقتصادية. وهذا أمر مفهوم بحكم نشاط شركات صينية في مجال الصناعات الدقيقة التي تحتاجها روسيا حاليا بشدة في الحرب. وحسب ما أوردته جينا رايموندو، وزيرة التجارة الأمريكية، في تصريح لها، فإن صادرات التكنولوجيا الصينية إلى روسيا تراجعت بشكل كبير بعد فرض العقوبات على موسكو. كما أن صادرات الصين إلى الروس، في قطاع معدات وتجهيزات شبكات الاتصال، انخفضت بنسبة 98 بالمئة. وهذه المعطيات مصدرها الصحافة الصينية، أي أنها لم تعد من أسرار الحكومة الصينية التي قد لا تريد الإفصاح عنها.

مرد هذا التراجع، حسب وزارة التجارة الأمريكية، التخوف الكبير للحكومة الصينية من افتعال أزمة في حال خرق الحظر المفروض الآن على التجارة مع روسيا.

لكن رغم كل هذا، فإن الصين، في نظر الدول السبع، راكمت أرباحا طائلة من وراء الأزمة الروسية. كيف ذلك؟

حسب التقارير التي تناقلتها الصحف الاقتصادية، وعلى رأسها «هونغ كونغ بوست»، فإن الصين استفادت من عجز روسيا عن بيع منتجاتها في السوق الدولية. أي أن الصين فقدت منافسا كبيرا ليس فقط في آسيا بل على مستوى السوق العالمية.

التخفيضات التي قدمها الروس للصين مقابل حصولها على السلع الروسية جعلت الصينيين يُجرون معاملات مع موسكو بزيادة قدرها 25,9 بالمئة مقارنة مع السنة السابقة، أي قبل الحرب. بقيمة معاملات تصل 51 مليار دولار، في الفترة فقط ما بين يناير وأبريل، أي خلال انطلاق الحرب فقط.

وزراء الخارجية الأوربيون استنكروا تصدير السلع الصينية إلى أوروبا عبر التراب الروسي. وتم اقتراح طريق جديدة لنقل السلع دون المرور عبر روسيا، حيث أصبحت كازاخستان والبحر الأسود، الآن، الطريق البديل للتجارة بين العملاق الآسيوي والاتحاد الأوروبي الذي يعتمد بنسبة كبيرة جدا على الواردات الصينية.

الحرب الروسية يمكن اعتبارها أول حرب في العالم مرتبطة أساسا بشركات الاتصال بدل الحكومات، والسبب هيمنة عمالقة التكنولوجيا والاتصالات ومراكمتهم لأرباح تفوق بكثير الناتج الخام لدول في طور النمو، مجتمعة.

الحرب الروسية الأوكرانية، التي لا تزال مستمرة، قد تُنهك دولا عظمى رغم أن المعارك لا تجري فوق ترابها أو بالقرب من مياهها الإقليمية. لكن الاقتصاد العالمي، المنهك أساسا بسبب تداعيات جائحة كورونا، سيعرف تغيرات كثيرة بسبب العقوبات على روسيا. ووحدها الصين، على اعتبار أنها تلقت تحذيرات من منظمات دولية بخصوص احترام منتجاتها للمعايير الصحية، توسع أنشطتها للاستفادة قدر الإمكان من الأزمة الروسية، حتى لو كان هذا التوسع على حساب احترام معايير السلامة أو خرق القرارات الدولية.

قلق الخارجية الأمريكية ومعها وزراء خارجية الدول الأعضاء، يحمل الكثير من الرسائل. ومنذ الشهر الماضي ووزراء تجارة هذه الدول مجتمعين لم يستطيعوا بعدُ إيجاد صيغ لإخراج العالم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت كثيرا على المخزون الاحتياطي لدول كثيرة من المواد الأساسية.

لقد صدقت توقعات فلاسفة ومفكري القرن الماضي عندما تحدثوا عن المستوى الجنوني الذي سيصل إليه العالم بعد الحرب العالمية الثانية. حتى أن المقولة الساخرة التي تقول إنه إذا أمطر الجو في واشنطن، عليك فتح المظلة في آسيا، وإذا أمطرت في موسكو، عليك فتح المظلة في لندن، لم يعد ساخرا. بل أصبح حقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى