شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

إذاعة الجبهة كانت تبث بيانات عسكرية عن معارك وانتصارات في خيال الجزائر وصنيعتها البوليساريو

مانسيناكش عبد الله لماني (معتقل سابق في سجون البوليساريو):

حسن البصري

هل ناقشتم في ما بينكم مصيركم المشترك؟

كنا نقوم بالأشغال الشاقة، نقوم بالحفر والبناء وإفراغ شحنات المساعدات والعتاد العسكري، وكنا ممنوعين من الحديث إلى بعضنا البعض، لأننا نعيش العذاب فالتنقلات تتم في ظروف غير آدمية، ولا يسمح لنا بالحديث أو التجمع،  بل كنا مرغمين على النظر في مكان الحفر فقط أي في مكان ضربة الفأس ودائما تحت رحمة السياط. كنا نقوم أيضا بصنع الطوب من مواد الإسمنت والتراب والحجر قصد بناء الزنازين أو المدارس أو مراكز التخزين والتموين وغالبا ما كانت تخصص لتخزين الذخيرة والأسلحة والدبابات، إضافة إلى المساعدات، والويل ثم الويل لمن تجرأ وطالب بتحسين وضعه كإنسان أولا قبل أن يكون أسيرا. أحيانا تغيب عنا حتى الشهور والسنوات، لقد كنا خارج الزمن،  لا نعلم ما إذا كنا نعيش في سنة كذا أو كذا، أحيانا نتجادل ونتساءل: هل هذا عام 1986 مثلا؟ فيقول آخر: لا مزال، بل ونراهن على من يملك التاريخ المضبوط، هذا أبشع اعتقال.

هل كنت تعيش كوابيس الرعب ليلا؟

كل من عاش الأسر لقرابة نصف قرن، وقاسى المحن والتعذيب النفسي والجسدي، لا يمكن أن يفلت من قبضة الكوابيس المرعبة. في سجون البوليساريو منذ أن تستيقظ في الصباح وأنت تمارس أعمالا شاقة، تغادر المعتقل جريا نحو مكان العمل المضني، تركض بدون أن تتاح لك فرصة غسل وجهك أو التوجه إلى المرحاض، ومنذ الصباح الباكر وأنت تحفر الخنادق وتحمل الأثقال إلى أن تتوقف لتتناول شبه وجبة غذاء، في حدود الساعة الثالثة، لا يمكن أن تجد وقتا للتفكير أو الحديث مع رفاقك. وحين تعود ليلا إلى المركز، تختلط عليك الأمور فلا تدري هل أنت في عداد الأحياء أم الموتى. صدقني أن ما عشناه طيلة مدة الاعتقال عند البوليساريو، أشد رعبا من كل الأفلام التي تناولت قضايا المعتقلات الرهيبة، حين ذقت مرارة الأسر تمنيت أن أعيش في تلك السجون التي شاهدتها في السينما أو قرأت عنها، فهي أهون من مراكز الاعتقال عند البوليساريو.

والكوابيس؟

هذا العذاب الذي عشناه، أثر نفسيا على أغلب الأسرى، منهم من فقد توازنه النفسي ومنهم من اختل تفكيره وأصبح في عداد المعتوهين من شدة التعذيب. أنا لازالت إلى يومنا هذا أعاني من مضاعفات الأسر، أنا سريع الغضب بشكل لا يتصور، في نومي أعيش تحت رحمة الكوابيس، ويتهيأ لي بأنني أمام جلادين بل أحيانا أحلم وكأنني هارب من بطشهم أركض كهارب من السجن وهم يطاردونني، أتخيل نفسي أجري نحو الجزائر ومنها إلى وجدة، ثم وسط المغرب فيطاردونني، وأنزل إلى موريتانيا وهم في أعقابي يركضون. وحين أستفيق من كوابيسي أجد نفسي مبللا بالعرق ونبضات قلبي متسارعة، كأنني في مطاردة حقيقية من وجوه صدئة.

هل كنت تتابع ما يحصل في المغرب من أحداث وكيف؟

وضع البوليساريو بدعم من الجزائر مكبرات الصوت في الرابوني وفي كل منطقة، وتم ربطها بإذاعتهم التي خصصت للتنكيل بالمغرب ونشر الإدعاءات الأكاذيب لجعل الانفصاليين يعتقدون أن المغرب يعيش على إيقاع الثورات، بمعنى أن إعلام “البروباغاندا” يرسم كل يوم صورة قاتمة عن بلدنا، ما يزيد في عذابنا النفسي. خاصة من خلال بيانات عسكرية زائفة تتحدث عن معارك وهمية في مناطق بالصحراء، حيث يدعي كتاب هذه البيانات أن البوليساريو هزم الجيش المغربي في معركة كذا وكذا وأن عدد القتلى بلغ المئات والجرحى كذلك والأسرى في حدود الثلاثين ناهيك عن العتاد الذي تركه الجيش، وهذه أضاليل قديمة كنت أغلق أذناي وأنا أسمعها في مكبرات مزروعة هنا وهناك.

تقصد إذاعة البوليساريو؟

نعم إذاعة البوليساريو إذا سمحنا لأنفسنا بمنحها هذه الصفة، والحقيقة أنها جهاز مدعم من  طرف الجزائر وليبيا، ولم تكن مدة البث طيلة اليوم بل لساعات متفرقة، وتستغل للترويج الإعلامي لأطروحة انفصالية، مع التركيز على البلاغات العسكرية والزيارات التي تقوم بها بين الفينة والأخرى شخصيات موالية للجزائر، الراعي الرسمي للإعلام الانفصالي. صدقني إن وجود مكبرات الصوت تنشر موسيقى مرعبة هي أشبه بعمليات جلد نتلقاها يوميا في أذهاننا، حتى سئمنا هذا الوضع واعتبرناه تعذيبا يوازي التعذيب الذي كنا نتلقاه من طرف جلادين يفعلون عكس ما يدعون أثناء زيارة الوفود الأجنبية.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى