إدريس لشكر: تحالف الاتحاد مع العدالة والتنمية في الحكومة كان كارثة
الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في حوار مع «الأخبار»
أجرى الحوار: محمد اليوبي
خلال الأسبوع الماضي، عقد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، لقاء مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، في إطار مسلسل المشاورات للتحضير للانتخابات المقبلة، حيث تم الإعلان رسميا عن جعل السنة المقبلة سنة انتخابية بامتياز، من خلال إجراء جميع الاستحقاقات الانتخابية المهنية والجماعية والجهوية والتشريعية في سنة 2021. وفي سباق مع الزمن، بدأت الأحزاب السياسية تخوض التسخينات الأولية استعدادا لهذه الاستحقاقات.
في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة «الأخبار»، يكشف إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مقترحات حزبه لتطوير العملية الانتخابية، ومراجعة القوانين الانتخابية، وإعادة النظر في التقطيع الانتخابي ونظام الاقتراع، كما يكشف عن شروط وأسس التحالفات المستقبلية للحزب.
حسم وزير الداخلية الجدل بخصوص تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة، وبدأ مسلسل المشاورات بين الحكومة والأحزاب السياسية حول التحضير القانوني لهذه الاستحقاقات، هل يمكن أن تحدثنا في البدء عن هذه المشاورات وأين وصلت؟
كانت الجولة الأولى من المشاورات، بناء على طلبنا نحن في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، لأننا كنا وجهنا طلبا إلى رئيس الحكومة منذ مدة طويلة، حذرناه من تكرار التجارب السابقة، حيث كانت تفتح المشاورات ليلة الانتخابات، وتكون هناك مدة وجيزة، ما يخلق نوعا من الارتباك في التحضير للاستحقاقات الانتخابية، ولذلك طلبنا منه فتح مشاورات في هذا الأمر، وبعد إلحاح طويل، وبعدما تعددت الطلبات، ولم نبق لوحدنا، استجاب رئيس الحكومة بدعوة جميع الأحزاب الممثلة بالبرلمان إلى اجتماع.
في هذا الاجتماع أعلن رئيس الحكومة أن وزير الداخلية سيتابع معنا المشاورات، لكن مع كامل الأسف، بعد هذا الاجتماع، جاءت جائحة كورونا، وبعد مرور خمسة أشهر، عقدنا اجتماعا مع وزير الداخلية، كان خلال الأسبوع الماضي، وكانت التدخلات تهم أساسا منهجية الاشتغال، وانعقد هذا الاجتماع في ظل تدابير الوقاية من فيروس كورونا، وكنا اتفقنا على احترام هذه التدابير ومن بينها التباعد الاجتماعي، من خلال حضور ممثل واحد عن كل حزب سياسي، لكن للأسف هذه المسألة لم تحترم، هناك من حضر بثلاثة ممثلين وهناك من حضر بممثلين اثنين، نحن حضرنا بممثل واحد، وكانت تدخلات كثيرة، لكن لم تطرح وجهات نظر أو مشاريع كل طرف سياسي، حول كيف يتصور كل حزب تطوير وتحسين العملية الانتخابية، ولذلك أنا شخصيا لم أجد ضرورة للتدخل والتزمت الصمت طيلة الاجتماع، مادام الأمر يتعلق بالمنهجية.
وما هي المنهجية التي تم الاتفاق حولها بخصوص هذه المشاورات؟
المنهجية كما اتفق عليها، هي أن وزير الداخلية منح مهلة للأحزاب ستنتهي يوم 17 من هذا الشهر، لتقديم مذكرات تتضمن مقترحات كل حزب، لتجميع ما اتفق عليه، وتجميع ما اختلف بشأنه، بعدها سيتكلف وزير الداخلية بتدبير المشاورات بما يضمن الوصول إلى شبه إجماع حول المقترحات التي ستتم بلورتها في إطار مشاريع قوانين، وينصب النقاش أساسا حول مدونة الانتخابات وقانون الأحزاب والتمويل العمومي للأحزاب.
نحن اشتغلنا قبلا، ولدينا إنتاج غزير في ما يتعلق بتطوير العملية الانتخابية، نحن القوة الاقتراحية الأولى في تطوير العملية، منذ حذف الألوان من أوراق التصويت والاعتماد على الورقة الفريدة للتصويت، كانت كلها اقتراحات الاتحاد الاشتراكي، وساهمنا في القطع مع بعض ممارسات الماضي، عندما كان التزوير المباشر عبر الصناديق الخشبية التي تكون مملوءة بأوراق التصويت والمحاضر الموقعة سلفا وسرقة المكاتب أحيانا. عشنا مثل هذه الحالات في إطار نضالنا الديمقراطي، وهناك نوع من التحسن منذ حكومة التناوب في تطوير العملية الانتخابية، لكن مازال يفصلنا الكثير، لأن فساد العملية الانتخابية قائم على الاستغلال البشع للمال أي الرشوة الانتخابية، وقائم على استغلال الدين أي الخطاب الديني واستغلال النفوذ.
• تطالبون بالقطع مع اُسلوب الانتخابات السابق، ماذا تقترحون عمليا لتطوير العملية الانتخابية، وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين؟
نعتقد أن هذه الانتخابات تجري في ظروف غير عادية، لأن هناك جائحة كورونا التي تجتاح دول العالم، هذه الجائحة لا شك أنها تفرض علينا جميعا للحفاظ على منسوب الثقة الذي وصلنا إليه في البلاد بين المواطنين والمؤسسات، وهذا المنسوب هو الذي أعطى لبلادنا مناعة قوية لمواجهة هذه الجائحة، هو الذي أعطانا إمكانيات المقاومة، رغم أنه بلد ناشئ، لذلك علينا جميعا، بما في ذلك الإدارة والأحزاب والمجتمع والمواطن، استحضار هذا الأمر، وهو ما يملي علينا أن تكون في الانتخابات المقبلة قطائع مع كل الممارسات السابقة، وتكون إشارات قبل يوم الاقتراع، لماذا؟ لأننا تابعنا العزوف الانتخابي ببلدان تتميز بديمقراطيات أصيلة، ومثلا ما وقع في الانتخابات البلدية الفرنسية وهي انتخابات القرب من المفروض تكون فيها نسبة كبيرة للمشاركة، لكن لم تصل فيها نسبة المشاركة إلى 34 في المائة، فبالأحرى ببلادنا حيث ظاهرة العزوف متفشية في كل الاستحقاقات، لذلك إذا لم تكن قطائع حقيقية وخلقنا أملا في استمرارية منسوب الثقة، أخشى أن تكون نسبة عدم المشاركة كبيرة، لذلك مطروح علينا التفكير في صيغ للرفع من نسبة المشاركة.
• هل يقترح حزبكم صيغا معينة للرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة في ظل الأوضاع الراهنة؟
من بين هذه الصيغ التي تبدو لي ممكنة أن ظروف الجائحة، والتنقل والقيام بالعملة الانتخابية على عدة مراحل، لذلك يبدو لي أنه يجب تنظيم جميع الاستحقاقات، جماعية وإقليمية وجهوية وتشريعية ومهنية، في يوم واحد، وبالتالي تجب الملاءمة القانونية بما يضمن إجراء هذه الاستحقاقات في يوم واحد.
• هل تقصد مراجعة القوانين الانتخابية؟
أكيد تجب مراجعة كل القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، وعندما نقول مراجعة القانون، تجب مراجعته من البداية، سواء ما يتعلق باللوائح الانتخابية أو غيرها، لأننا نحتاج إلى إجابات عن أسئلة راهنة، مثلا، هل سيكون تسجيل تلقائي في اللوائح الانتخابية؟ وهل ستكون إجبارية التسجيل من عدمها؟ وكذلك مطروح علينا سؤال كبير في ما يتعلق بالترشيح، لأن هناك منتخبين ومرشحين سابقا لم يصرحوا بممتلكاتهم، وأحزاب استفادت من التمويل العمومي وكررت في كل استحقاق عدم الإدلاء بالبيانات المحاسباتية، لذلك يجب التنصيص على مقتضيات قانونية لترتيب عقوبات في حق المخالفين.
• تحدثت عن عقوبات، هل تقصد مثلا منع الأشخاص والأحزاب المخالفين من حق الترشح للانتخابات؟
نحن مع كل ما ستوافق عليه الأحزاب بهذا الخصوص، لأننا لسنا متطرفين في مواقفنا، نطرح مقترحات لتطوير العملية الانتخابية، لكن بكل تواضع حجمنا في المشهد الحزبي يجعل أننا نتقدم بمقترحات، هو أن الصف الديمقراطي والأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية لكي تنخرط ونتوصل إلى توافق حول هذه المطالب، مثلا التزوير في الانتخابات يطال الأوراق الرسمية للتصويت ومحاضر التصويت، لكن عندما نرى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الانتخابية، لا ترقى إلى مستوى الجنايات، لأن الأمر يتعلق بأوراق رسمية، وتتطلب مقتضيات زجرية، لأن كل شخص عرف أنه مهدد بالسجن لمدة خمس سنوات إذا ضبطت بحوزته هذه الأوراق، أكيد لن يحوزها، ولن يقدر على ارتكاب التزوير، ورغم ذلك يمكن القول إن القوانين وحدها غير قادرة على إصلاح ما أفسده الدهر في العملية الانتخابية، لكن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، فوق هذا وذاك يحتاج إلى ثقافة مجتمعية، لأن المواطن يجب أن يكون هو المدافع الأول عن نزاهة وشفافية الانتخابات، لكن للأسف اليوم نلاحظ أن الفساد يطال حتى بعض النخب وبعض الفاعلين في المجتمع، ولاحظنا عمليات بيع وشراء بالجملة وليس بالأصوات.
• هناك من يقترح فرض التسجيل الإجباري والتصويت الإجباري للرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، نريد معرفة موقف حزب الاتحاد الاشتراكي من هذا المقترح؟
من شروط المواطنة التسجيل في اللوائح الانتخابية وهذا معمول به في الدول الديمقراطية، لذلك أنا أقرب إلى تسجيل جميع المواطنين في اللوائح الانتخابية، أما بخصوص الإجبارية فهي منصوص عليها في القانون، لكن لا ترتب جزاءات.
• كُنتُم تطالبون باعتماد بيانات البطاقة الوطنية قاعدة للتسجيل في اللوائح الانتخابية، هل سيكون هذا المطلب مدخلا لفرض هذه الإجبارية؟
كنا ومازلنا نلح على هذا المطلب كلما اقترب موعد الاستحقاقات الانتخابية، والآن الدولة تشتغل على مشروع ضخم لتحديث بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، لكي تكون بمواصفات تقنية حديثة، وتتضمن جميع البيانات والمعطيات، لمَ لا يستغل هذا التوجه لكي تكون هي الوثيقة الوحيدة الممكنة في الانتخابات المقبلة.
• سبق أن وجهتم انتقادات كذلك للتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع باللائحة، وطالبتم بتعديله من خلال مذكرات موجهة للحكومة، علما أن هذا النمط كان مطلبا اتحاديا، ماذا تغير لكي تطالبوا بالعودة إلى النمط القديم، وأنتم تطالبون بتطوير العملية الانتخابية؟
في اعتقادي في ما يتعلق بالتقطيع الانتخابي، يجب توحيد المقاييس، فمن غير اللائق، عندما نتحدث عن قطائع، ضمان المساواة وتكافؤ الفرص، يتطلب ذلك تقطيعا انتخابيا جديدا، أما في ما يتعلق بنمط الاقتراع دائما كنا في الاتحاد الاشتراكي، إلى جانب أحزاب الحركة الوطنية، وخاصة حزب الاستقلال، نطالب بتغييره، وتاريخيا كل الإصلاحات التي طالت العملية الانتخابية كانت تتم بتنسيق بين الحزبين، وكل الإصلاحات التي عرفتها العملية الانتخابية نجد بصمات الحزبين فيها بشكل قوي، ولذلك اليوم في ما يتعلق بنظام اللائحة، هذا النظام جاء لمحاربة البيع والشراء في الأصوات وبهدف الارتقاء إلى مستوى صراع الأفكار والبرامج، فعلا نظام اللائحة كان مطلبا اتحاديا، وأخونا عبد الرحمان اليوسفي، رحمة الله عليه، كان من أشد المدافعين عنه، من أجل تحقيق أهداف نبيلة، لكن مع الأسف هناك ممارسات أثبتت العكس، نحن منذ مدة لاحظنا أن دور التمثيل والوساطة الذي يقوم به المنتخب في الاقتراع باللائحة، افتقد سياسة القرب، ولم يبق ذلك المنتخب القريب من هموم وانتظارات المواطنين في دائرته الانتخابية، كما أن نظام اللائحة لم يحقق الأهداف التي وضع من أجلها، لذلك طالبنا بالرجوع إلى نظام الاقتراع الأحادي، لكن لم نسمع من الأحزاب الأخرى من هو متحمس لهذا المطلب، واقترحنا في الاجتماع الأخير للمجلس الوطني اعتماد النظام الأحادي بشكل متدرج، باعتماد مرحلة انتقالية تبدأ من المجالس الجماعية، وإذا ثبت صواب رأينا، نقترح تعميم اعتماد هذا النمط في جميع الانتخابات بعد خمس سنوات، وإذا ثبت العكس، ليس لدينا أي مشكل في الإبقاء على نظام اللائحة، لأن الهدف هو تعزيز نظام التمثيلية والديمقراطية.
• لكن هناك مقاومة من حزب العدالة والتنمية لهذا المقترح، لأنهم يعتبرون أنه يستهدفهم وموجه ضدهم، بعد حصدهم لعدد كبير من المقاعد عن طريق اللوائح، ما رأيك؟
أنا أقول إذا كانت حساباتهم بهذه الطريقة فهم على خطأ، لأن المقترح لا يشكل أي استهداف لهم، لأن جل مكونات المشهد الحزبي غير متفقة معنا بالعودة إلى نظام الاقتراع الأحادي وليس «البيجيدي» وحده، هل يعني ذلك أنهم بدورهم مستهدفون، ولذلك لا يليق بهذا الحزب اعتبار هذا المقترح موجها ضده، ثانيا هل لديهم في «البيجيدي» دراسة تؤكد أنه إذا تم اعتماد النظام الأحادي سيتراجع عدد المقاعد التي سيحصلون عليها، لأن الذي سيمنحك مقعدين في نظام اللائحة يمكن أن يمنحك ثلاثة مقاعد في نظام الاقتراع الأحادي، ولذلك قلت إنه حساب خاطئ لأنه يستند على فرضيات خاطئة، ولهذا نرفض الحكم على مقترحاتنا بهذه الأنانية. وكما قلت من لم يستوعب أننا في وضع غير الأوضاع السابقة والذي يحسب بهذه الحسابات الضيقة ويلغي نهائيا ما يواجه البلاد من تحديات، سيكون في الحقيقة لا يحمل أي مشروع مجتمعي، هذا هو مشكل بعض الفاعلين السياسيين عندما يتحول المشروع المجتمع بالنسبة إليهم إلى مشروع ذاتي، بمنطق حساب ما سأحصل عليه وما لم سأحصل عليه، «اللي غادي ندي واللي ما غاديش ندي»، الأمور اليوم يجب أن تتغير، لذلك نحن نقول دائما، في ظل التحديات التي تواجهها بلادنا، الوطن، الوطن، ثم الوطن، وأقول للذين مازالوا يشتغلون بهذا المنطق، خصهم يكبروا رأسهم شوية، وما يبقاوش بهذه الحسابات الضيقة.
• تحدثت سابقا عن التنسيق بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بأي منطق يمكن لحزب في الأغلبية الحكومية أن ينسق مع حزب في المعارضة؟
قبل جائحة كورونا، كانت عندنا لقاءات بين قيادتي الحزبين، ومشاورات حول الأوضاع بشكل عام، أنا أنأى بنفسي عن منطق تحريم التنسيق بين أحزاب في الأغلبية وأحزاب في المعارضة، في ما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالعناية الانتخابية، لأن الأمر لا يتعلق ببرامج سياسية، وإنما يتعلق الأمر بتطوير العملية الانتخابية وتطهيرها من الفساد وضمان المشاركة للمواطنين والحرص على التعددية السياسية، وهذا يحتاج تظافر جهود الجميع، ومن يحمل معنا هذه الأفكار مما لا شك فيه وجب التنسيق معه سواء كان في الأغلبية أو المعارضة، بخلاف ذلك، من لا يحمل هذه الأفكار ولو يكون معي في الأغلبية لن أنسق معه.
• هل يمكن أن يرقى هذا التنسيق إلى مستوى تحالف خلال الانتخابات المقبلة؟
هذا التنسيق لا علاقة له بالتحالف، يمكن الحديث عن أحزاب قريبة لمشروعنا الديمقراطي التحديثي وعن أحزاب مناقضة لمشروعنا الديمقراطي التحديثي، في ما يتعلق بمنظومة الانتخابات، بعد ذلك التحالفات تتأسس على أساس برامج وعلى أساس ما ستفرزه العملية الانتخابية، إذا اخترنا أن نكون في المعارضة علينا أن نبحث عن تحالفات مع أحزاب المعارضة، وإذا اخترنا المشاركة في الحكومة، علينا أن نبحث عن حلفائنا لتشكيل الأغلبية الحكومية على أساس البرامج وتقارب المشاريع المجتمعية مع الأحزاب التي سنتحالف معها.
• في إطار التنسيق دائما، هل ستنفتحون على أحزاب أخرى من قبيل حزب الأصالة والمعاصرة؟
نحن منفتحون على جميع الأحزاب، وكان لدينا تنسيق مع التجمع الوطني للأحرار، ومؤخرا زارنا الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ونحن منفتحون كذلك على أحزاب اليسار، بأفكارنا وبمقترحاتنا الهادفة إلى تطوير العملية الانتخابية والديمقراطية بما يخدم العملية السياسية بالبلاد.
• هل حان الوقت للقطع مع ما تسمونه القطبية المصطنعة، من خلال إحياء الكتلة الديمقراطية أو تكتل حزبي آخر لبناء تعددية سياسية طبيعية قائمة على برامج سياسية ومشاريع مجتمعية؟
اليوم أبانت التجربة السياسية ببلادنا عن أن القطبية المصطنعة كانت ستكون وبالا على البلاد، والاتحاد الاشتراكي دق ناقوس الخطر في سنة 2015، وتأكد ذلك في سنة 2016 أثناء تعثر مشاورات تشكيل الحكومة، لأنه عندما تكون القطبية في ديمقراطية ناشئة يمكن أن تؤدي إلى انكسارات، ولذلك نحن في الاتحاد الاشتراكي درسنا هذا الموضوع في وثائقنا وناقشناه في مؤتمراتنا واجتماعاتنا، ونعتقد أن ديمقراطيتنا في حاجة إلى التعددية السياسية، وفي هذه المرحلة سنكون أقرب إلى الأحزاب التي تطرح التعددية لتضمن حق تمثيل جميع الأحزاب بما فيها الصغيرة لكي تستوعب المؤسسات جميع المكونات لتقوية الجبهة الداخلية.
• قلت سابقا إنه إذا قررتم المشاركة في الحكومة، سيكون ذلك على أساس البرامج السياسية والمشاريع المجتمعية، لكن في الحكومة الحالية تحالف الاتحاد الاشتراكي مع حزب العدالة والتنمية، رغم اختلاف وتناقض برامج ومشاريع الحزبين، ما هو تقييمكم لهذا التحالف غير الطبيعي؟
إذا استعملت منطق الحسابات السياسية الضيقة في التقييم، أقول لك، هذا التحالف كان كارثة، لكن باستحضار ما يقع في العالم وفي بلادنا، ولا شك أنكم تتذكرون في بداية الجائحة، ذهبت أبعد من ذلك، ونحن حزب داخل الأغلبية الحكومية، طرحت سؤالا عريضا، مفاده أنه إذا تطورت الوضعية الوبائية بشكل خطير كما وقع ببلدان قريبة منا، هل هذه الحكومة ستكون قادرة على مجابهة هذه الوضعية، لذلك قلت وقتها ربما ستحتاج البلاد لحكومة وحدة وطنية، وهذا كان مجرد اقتراح لا يمكن منطقيا أن يطرحه حزب مشارك في الحكومة، وعادة ما يطرح من طرف أحزاب المعارضة، لكن أنا طرحته بكل أريحية من موقع الأغلبية، ووقع للأسف سوء فهم ناتج عن عدم استيعاب المقترح، لأنه نوقش بمنطق الحسابات الضيقة التي تحدثت عنها سابقا.
• هذا الموضوع يجرنا إلى الحديث عن جدل أثير سابقا حول التعديل الدستوري، وخاصة الفصل 47 المتعلق بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول انتخابيا، والآن، تزامنا مع فتح ورش إصلاح القوانين الانتخابية، هل تعتقد أن هذا المطلب مازال مطروحا قبل الانتخابات؟
نحن اليوم بصدد معايشة هذه الجائحة، والمعايشة قد تكبل طموحات الإنسان، حتى في إحداث تغييرات، رغم أن هناك حاجة إلى معالجة وإصلاح بعض مواد الدستور، لسد بعض الثغرات التي كشفتها التجربة والممارسة، لكن هذا شأن لا يمكننا التقرير أو الحسم فيه، كما أن البلاد غير قادرة في ظل هذه الظروف على تحمل إصلاحات بهذه القوة. أما بخصوص مقتضيات الفصل 47 من الدستور التي أثارت نقاشا في السابق تزامنا مع مشاورات تشكيل الحكومة الحالية، فهي لم تعد لها نفس الحدة التي كانت خلال تلك الفترة، لأن التأويل الإيجابي للفصل الدستوري بما هو عليه من خلال الممارسة تم تجاوز كل الكوابح الموجودة في هذا الفصل، وبالتالي لا يمكن أن تتوقف الدولة والبلد لأن ضربة شمس تجعل حزبا احتل المرتبة الأولى في الانتخابات عاجزا عن إيجاد حلفاء لتشكيل الأغلبية، يوقف جميع مؤسسات البلاد، لذلك إبداعات الديمقراطيات إشكالات مختلفة، واليوم في إطار التعددية، فإن أنجح الديمقراطيات في العالم، هي التي تقوم على تحالفات قائمة على التعددية وليس على الأحزاب الأغلبية.
• تكلمت سابقا عن الرشوة الانتخابية واستغلال الدين في الانتخابات، هل توجه اتهامات لأحزاب معينة، وكيف يمكن القطع مع هذه الممارسات؟
لدينا هيئات للحكامة مثل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، التي يجب أن تقوم بدورها في محاربة مثل هذه الممارسات التي تشوب العملية الانتخابية، وهذا بالنسبة لنا أولى الأولويات، لأن الرشوة الانتخابية أخطر من الرشوة في مجالات أخرى، ما يتطلب التعاطي معها بالصرامة اللازمة، فإذا كانت الرشوة العادية تضر بشخص أو بمجموعة محدودة من الأشخاص، فإن الرشوة الانتخابية تضر بالمجتمع وبالوطن، لذلك يجب تشديد العقوبات، وخوض حرب استباقية على غرار الحرب الاستباقية التي تخوضها الأجهزة الأمنية على الخلايا الإرهابية، كذلك في الانتخابات هناك بارونات للانتخابات معروفون بكل الجهات، يجب شن حرب استباقية ضدهم، من أجل القطع مع كل الممارسات التي تفسد العملية الانتخابية.
وكما قلت سابقا، فإن الأمر يتطلب إصلاح المنظومة الانتخابية برمتها، وليس الاكتفاء بتعديل القوانين فقط، نحن نتحدث عن المراسيم والدوريات والقرارات والإجراءات والإدارة الترابية ومكاتب التصويت، كيف لنا أن نحرز تقدما في العملية الانتخابية، ونحن نشكل مكاتب التصويت من موظفي الجماعات، علما أنهم يكونون رهائن عند رؤساء الجماعات، لذلك عملية الإصلاح يجب أن تكون شمولية.
• وماذا عن استغلال العمل الإحساني قبل وأثناء الحملات الانتخابية، ألا يمكن اعتباره رشوة انتخابية؟
فعلا، سجلنا وقوع كوارث حقيقية من طرف بعض الأحزاب، من خلال استغلال أوضاع وحاجة الناس لأهداف انتخابية، وهناك استغلال بشع للمناسبات الدينية، الدولة بذلت مجهودا لكنه لا يزال مجهودا ضعيفا، خصوصا استغلال العمل الإحساني في الدعاية الانتخابية لبعض الأحزاب، وهذا يمكن اعتباره رشوة انتخابية على مدار السنة، وليس خلال فترة الحملة الانتخابية فقط، لهذا يجب بذل مجهود إضافي، من خلال تشديد العقوبات، ويجب أن تكون هذه العقوبات أقسى من عقوبات الجرائم التي تمس الأفراد، لأن الجريمة الانتخابية جريمة كبيرة تمس الوطن وفيها خيانة للوطن.
• وماذا عن الاقتراع يوم الجمعة؟
من المفيد أن تتوافق جميع الأحزاب حول تحديد يوم آخر للاقتراع، لأن يوم الجمعة هو آخر يوم في الأسبوع، ويستغله البعض للسفر بإضافته كيوم عطلة إلى يومي السبت والأحد، لذلك نطالب بأن يكون الاقتراع متزامنا مع يوم عمل في وسط الأسبوع.
• هل مطروح ضمن جدول أعمال المشاورات مع الحكومة، نقطة تعديل قانون الأحزاب والدعم المالي الذي تخصصه الدولة لتمويل الحملات الانتخابية؟
قانون الأحزاب يتضمن بعض التناقضات في العلاقة مع قوانين أخرى، مثلا في ما يتعلق بمنع الترحال السياسي، نجد أن قانون الأحزاب يتضمن مرونة تجعل البرلمانيين يتمتعون بسلطة أكبر من سلطة أحزابهم، وعلى خلاف ذلك في القوانين التنظيمية للجماعات نجد سلطة الأحزاب حاضرة، مثلا لا يمكن الترشح لرئاسة جماعة إلا بتزكية من الحزب الذي ينتمي إليه المرشح، لهذا يجب حل هذا التناقض لكي نعيد للأحزاب دورها ومساهمتها وتدبيرها.
أما في ما يخص التمويل، فنقترح اعتبار تقارير المجلس الأعلى للحسابات بين انتخابين، مقياسا أساسيا لمنح الدعم المالي للأحزاب في أي استحقاق قادم، أنا أعرف أحزابا حصلت على تسبيقات من المال العام ولم ترشح أحدا في الانتخابات ولم تدل بأي وثيقة أو بيانات محاسباتية، ويمكنها أن تحصل على دعم بنفس الطريقة في الانتخابات القادمة، وهناك أحزاب أخرى حصلت على مئات الملايين من الدراهم لتمويل حملاتها الانتخابية، ولم تقدم وثائق لتبرير صرف النفقات الانتخابية، وسيكون من العبث الاستمرار في منحها الدعم من المال العام، فقد حان الوقت لتطبيق القوانين في هذا النوع من القضايا.
• إذا وقعت مراجعة القوانين الانتخابية والقطع مع ممارسات الفساد الانتخابي، هل تتوقع فوز حزب الاتحاد الاشتراكي بالانتخابات المقبلة؟
سأقول حقيقة، لا الأرقام ولا قوة حضورنا السياسي، تؤكد أننا حزب صغير في المشهد الحزبي، نحن حزب يتراوح عدد الأصوات التي حصل عليها عبر التاريخ، ما بين مليون صوت كحد أقصى، و450 ألف صوت كحد أدنى، وعندما كنا في حدود مليون صوت كنا الحزب الأول، ويومها كان الحزب الأول حاليا في المرتبة السادسة أو السابعة، أو لم يتأسس بعد، إذن التناوب الديمقراطي يجعل كل الأحزاب في خط الانطلاقة، وكلها لديها مشروعية التسابق بشكل ديمقراطي لكي تصل هي الأولى لخط الوصول وتفوز بالانتخابات.
• هل لديكم طموح من أجل الفوز بالانتخابات، وما هي مؤشرات ذلك؟
ليس طموحا، لدينا عمل وجهد، فكل الاتحاديات والاتحاديين يشتغلون بكل جد ومسؤولية، ونحن الحزب الذي تعايش مع ظروف جائحة كورونا، من خلال استمرار عمل أجهزتنا على كافة المستويات التنظيمية.