شوف تشوف

الرأيالرئيسية

إحسان ميلتي ناسيونال

حسن البصري

وضعت وزارة الداخلية، بتنسيق مع الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، مجموعة من الجمعيات “المشبوهة” تحت مجهر المراقبة، بعد أن لاحظت وجود سمنة غير عادية في حساباتها المالية، وتبين أن أرصدتها تعاني من انتفاخ رهيب، مع ظهور أعراض الرفاهية في معيش رؤسائها.

بموازاة مع ذلك، أعدت الوزارة مشروع قانون يتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، صادقت عليه لجنة الداخلية بمجلس المستشارين، خلال الأسبوع الماضي، وبذلك تكون الحكومة قد شرعت في وضع نهاية لفوضى العمل الجمعوي الذي يرتدي جلباب العمل الخيري.

أخذ الإحسان العمومي منحى آخر، وازدهر إحسان الأثير وتفرع عنه إحسان التيك توك، وكشفت محاكمة طبيب التجميل عن شبكة لتجار المآسي الذين راكموا الأموال الطائلة باسم العمل الإنساني، وتبين أنه لا أحد أتقن اللعبة إلا أطباء الفقراء.

لكن لابد لوزارة الداخلية أن ترفع درجة التأهب وتراقب أرصدة بعض فصائل الإلتراس التي فاقت ميزانيات الفرق، وتقف عند الرفاه الذي يلف قادتها، رغم ما يحسب لها من مبادرات إنسانية فاقت أحيانا جهود جمعيات المجتمع المدني.

نتذكر فاجعة “معاونة الصويرة” التي حركت بركة نقاش عمومي حول إشكالية الإحسان العمومي، الذي لا يكتمل إلا بصور المشاهير وهم يتصدقون على البؤساء مباشرة على الهواء، وتبين أن محسني المناسبات والأعياد في حاجة لمن يمنعهم من ممارسة هذه الهواية، صونا لكرامة المواطن الفقير الذي يعيش حالة من الهوان ولا تستقيم لياقته البدنية إلا حين يتزاحم الحشد ابتغاء قفة جارية.

في الوقت الذي كان رجال السلطة يتداولون مذكرة لفتيت حول آليات ضبط خيوط العمل الخيري، أصدرت الثانوية التأهيلية لتالمست بإقليم الصويرة بلاغا تخبر فيه طلبتها الداخليين بإغلاق الداخلية وتسريح نزلائها إلى بداية الأسبوع القادم، بعد أن وضعت هذا المرفق رهن إشارة منظمي موسم ركراكة. هل هي الصدفة التي تجعل الصويرة بؤرة توتر اجتماعي؟

إذا كان بلاغ الإجلاء صحيحا، فإن شرفاء ركراكة لن يسمحوا بجعل طقوس صوفية في مرتبة أولى من التربية والتعليم. ثم ما الجدوى من طرد تلاميذ من مأواهم لإيواء فيلق المريدين؟ وهل يقبل نقيب ركراكة بإجلاء الطلبة لغاية صوفية؟ لكن هناك قاعدة في الاستضافة تقول “ضيافة النبي ثلاثة أيام”.

بين السلطة وداخليات الخيريات علاقة ود قديمة، فقد كانت تلجأ إليها لإيواء البوليس والعساكر في الحركات الاحتجاجية، وتفتحها في وجه ضحايا الفيضانات وتحولها إلى مراكز تصويت في الانتخابات، وتحيل عليها الشيخات في المواسم والمهرجانات، وتستضيف فيها عابري السبيل وفيها مآرب كثيرة.

بعيدا عن الإحسان العمومي المؤسساتي، لابد من الوقوف عند إحسان الكرة، بعد أن تسلل السياسيون لمكتب الجمعيات الرياضية، وشرعوا في توزيع صدقاتهم على من يتقاسم معهم اللون الحزبي والكروي، ومن يملك استعدادا لمنح صوته ولو على سبيل الإعارة لليد العليا.

حين ترأس سياسي الرجاء وزع أطنانا من الألبسة الرياضية على أطفال في كوناكري، وحين عاد إلى الدار البيضاء أسس منظمة الرجاء الاجتماعية ووزع في درب السلطان عتادا رياضيا على أبناء هذا الحي، في الوقت الذي كانت فيه الفئات الصغرى للرجاء تعاني من نقص حاد في الأمتعة الرياضية. مرت الأيام وأعلن السياسي نفسه مرشحا في الدائرة الانتخابية لمرس السلطان، وفي حملته تذكر السكان قفة الرئيس وبذلة الرئيس ووعود الرئيس، وتبين لهم أن الإحسان السياسي لا يفسد للود قضية. ما أقدم عليه المرشح ليس سوى استنساخ لإحسان سبقه إليه الراسخون في السياسة.

الإحسان العمومي الحقيقي هو أن تتبرع بدمك حتى لا يصاب بنك الدم بالإفلاس، لكن قبل التبرع بالدم يجب أن يكون لديك دم أولا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى