سهيلة التاور
مع تزايد عدد الإصابات بـ«كورونا»، وظهور سلالات جديدة متحورة من الفيروس نفسه، لجأت مجموعة من دول القارة العجوز إلى فرض قيود جديدة كإجراءات احترازية لاحتواء الأزمة بأوروبا. غير أن المواطنين رفضوها معتبرين إياها نوعا من الديكتاتورية وخرجوا في مظاهرات احتجاجية تخللتها أعمال شغب وعنف ما أدى إلى مواجهات مع الأمن واعتقالات بالمئات.
احتجاجات الدنمارك
شهدت شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، مساء السبت 24 من الشهر الجاري، احتجاجات نظمتها مجموعة «رجال بالأسود» ضد قرار الإغلاق لمكافحة فيروس «كورونا»، وانضم إليهم المئات من الرافضين للقيود، قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى صدامات مع قوات مكافحة الشغب، على غرار ما حدث يوم 9 يناير الماضي. وأكدت المجموعة أن «تمديد الإغلاق، وفرض إجراءات صارمة هو نوع من الديكتاتورية، وانتهاك لحرية المواطنين في ظل غياب استراتيجية حكومية واضحة على المدى البعيد».
وكانت احتجاجات، السبت الأخير، أعنف من سابقاتها، ووجه المتظاهرون غضبهم إلى رئيسة الوزراء، ميتا فريدركسن، حيث وضعوا على رأس دمية بالحجم الطبيعي شعرا مستعارا وعلى وجهها صورة فرديريكسن، وأرفقت بلافتة كتب عليها «يجب أن تعدم». وعلقت الدمية على مصباح في الشارع ثم أضرمت النيران فيها على ما أظهرت مقاطع مصورة للحادث بثتها وسائل الإعلام الدنماركي، وسط صدمة سياسية وإعلامية من عنف المتظاهرين الذين كانت بينهم مجموعات من مشجعي كرة القدم.
ودعا منظمو الاحتجاجات عبر «فيسبوك» كل الأشخاص، بغضّ النظر عن التوجه السياسي، إلى المشاركة «من أجل حرية الدنمارك»، ويعتقد «رجال بالأسود» وغيرهم، خصوصاً اليمين المتشدد، أن ما يجري هو «استغلال من الحكومة لجائحة «كورونا» لفرض السيطرة، والتحكم بالشعب».
ووفقاً لشرطة كوبنهاغن، فقد شارك نحو ألف شخص في الاحتجاجات، واستخدم بعضهم المفرقعات النارية لمهاجمة الشرطة التي حضرت بشكل ملحوظ خشية تكرار العنف الذي شهدته الاحتجاجات السابقة، والتي هددت باقتحام البرلمان الدنماركي على طريقة ما جرى في الكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير الجاري.
ورغم أن تظاهرة السبت الأخير، بدأت سلمية وسط ساحة المحافظة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صدام بين مرتدي الملابس السوداء وقوات مكافحة الشغب، التي اعتقلت بعضهم بناءً على قانون «الاعتداء على موظفين في الخدمة»، قبل أن تتوسع الصدامات بعد شنق مجسم رئيسة الوزراء، وإشعال النار فيه، وهو ما أثار موجة غضب بين السياسيين والمشرعين من مختلف الاتجاهات.
وقد أعلنت الشرطة إيقاف شخصين يشتبه في أنهما أضرما النار في دمية على هيئة رئيسة وزراء البلاد خلال تظاهرة مناهضة للتدابير الوقائية شهدت حوادث في كوبنهاغن. ويشتبه في أن الرجلين البالغين 30 و34 عاما أضرما النار في هذه الدمية على هامش تظاهرة، وقد وجهت إليهما تهمة أولية لانتهاك بنود عدة في القانون.
وقالت مديرة الشرطة في كوبنهاغن آن تونيس في بيان «من غير المقبول بتاتا التعبير عن تهديدات على هذه الخطورة في نظام ديموقراطي وأنا مرتاحة لكون التحقيق سمح حتى الآن بإيقاف أشخاص».
وقالت زعيمة حزب اللائحة الموحدة اليساري، بيرنيلا سكيبر، إن ما جرى «أمر فظيع ومخيف». ورفضت مقررة شؤون حزب «فينسترا» الليبرالي المعارض، صوفيا لودي، المشهد الذي اعتبرته «مثيراً للاشمئزاز»، ونددت وزارة العدل بما سمته «أعمال عنف، ورشق رجال الشرطة بالزجاجات»، رغم تأكيدها لـ «حق التظاهر».
وقال وزير العدل السابق عن حزب المحافظين، سورن بابي، إنه «ليس هكذا نقوم بالأمور في الدنمارك»، في إشارة إلى ارتفاع منسوب العنف والاستقطاب، وعبّر زميله في الحزب مقرر الشؤون الأمنية، ناصر خضر، عن دعمه للشرطة «في مواجهة عنف المحتجين. لا أعتقد أن المجموعات الفاشية بالأسود مهتمة حقاً ب»كورونا» واللقاح بقدر اهتمامها بالعنف والحرائق».
احتجاجات هولاندا
اندلعت مواجهات مع الشرطة ووقعت أعمال نهب، يوم الأحد 25 من الشهر الجاري، في مدن هولندية عدة خلال تظاهرات رفضا لحظر التجول الذي فرض منذ السبت 24 من الشهر الجاري لمكافحة تفشي وباء كوفيد-19.
وقد استعانت الشرطة بخرطوم مياه ونشرت كلابا مدربة في ساحة بوسط أمستردام حيث كان يتظاهر مئات الأشخاص. وفي أيندهوفن بجنوب البلاد، استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد ضم المئات.
وتجمهرت مجموعة كبيرة من الشباب في أحد أحياء أمستردام وبدأت في إلقاء الحجارة والمفرقعات على الشرطة، وبمساعدة وحدات القوات الخاصة تمت السيطرة على الوضع وتفريق الحشود واعتقال عدة أشخاص.
كما تم رصد بعض أعمال الشغب في روتردام، وتراوح عدد المعتقلين الذين هم على صلة بالمشاركة في أعمال الشغب خلال مظاهرة الأحد بين 250 و 300 شخص بتهمة التخريب، أو رفض الانصياع لمطالب الشرطة، أو عدم حيازة وثائق الهوية.
ومن جهته قال رئيس الشرطة الهولندية، ويليم وولينرز «في العديد من المدن الأخرى، كان الوضع أكثر هدوءا من الاثنين الأخير». وفي عدد من المناطق وقبل حظر التجول، نزلت مجموعة من المواطنين إلى الشوارع لمساعدة أجهزة إنفاذ القانون والشرطة على منع أعمال الشغب.
وشددت الحكومة الإغلاق من الساعة 9 مساء حتى الساعة 4:30 صباحا، ودخل حظر التجول حيز التنفيذ يوم السبت 24 من الشهر الجاري. وثمة استثناءات سيما للأشخاص العائدين من مراسم جنازة أو الذين يعملون خلال حظر التجول شرط أن يبرزوا شهادة تنقل.
وقال رئيس الوزراء مارك روته الأربعاء الأخير إن قرار فرض حظر التجول اتخذ مع انتشار النسخة البريطانية المتحورة من فيروس «كورونا». وأوضح روته أن من شأن حظر التجول تجنب العزل الإلزامي خلال النهار في حين أن الهولنديين لم يضطروا منذ بداية الأزمة الصحية إلى تبرير تنقلاتهم.
ويعتبر هذا أسوأ عنف يضرب هولاندا منذ بدء الوباء. وتخضع البلاد لإغلاق صارم منذ منتصف دجنبر، ومن المقرر أن يستمر حتى 9 فبراير على الأقل.
احتجاجات إيطاليا
تظاهر آلاف الأشخاص مساء الاثنين 26 أكتوبر في عدة مدن إيطالية احتجاجا على التدابير الجديدة لمجابهة فيروس «كورونا» منها إغلاق المطاعم والحانات اعتبارا من الساعة السادسة مساء وكافة المسارح ودور السينما وصالات الرياضة لمدة شهر. ووقعت حوادث عنيفة خصوصا في ميلانو وتورينو، المدينتين الكبيرتين الواقعتين في شمال البلاد، حيث نُشرت شرطة مكافحة الشغب وردّت على المتظاهرين بالغاز المسيّل للدموع. وأظهرت مشاهد نقلتها وسائل الإعلام الإيطالية في بث مباشر تخريب عدد من قطارات الترام وإضرام النار في مستوعبات نفايات وقلب دراجات وتكسير واجهات محلات.
كما أن مئات الأشخاص في مدينة نابولي، جنوب إيطاليا، قد احتجوا ضد حظر التجول والإغلاق. وردد المتظاهرون هتافات وساروا أمام مقر حكومة إقليم كامبانيا الذي يضم مدينة نابولي، وألقوا الألعاب النارية وأشعلوا قنابل الدخان، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين. واعتقلت الشرطة الإيطالية شخصين في ما يتعلق بأعمال الشغب.
احتجاجات إسبانيا
خرج الآلاف في مظاهرات بمدريد ضد القيود الجديدة التي فرضتها إسبانيا لمواجهة «كورونا». وفي بعض المدن، تلت المظاهرات أعمال تخريب ونهب ليل الأحد 1 نونبر. ووقعت أشد المواجهات في مدريد حيث ردد العديد من المتظاهرين «حرية!» وأضرموا النار في حاويات النفايات ونصبوا حواجز في الشوارع الرئيسية وسط العاصمة ورشقوا بالحجارة رجال الشرطة الذين قدموا لتفريقهم. وأصيب 12 شخصا بجروح طفيفة في المواجهات بينهم ثلاثة شرطيين بحسب أجهزة الطوارئ. وأعلنت الشرطة أنها أوقفت 32 شخصا.
ونسبت رئيسة حكومة مدريد المحلية إيزابيل دياز آيوسو الاضطرابات إلى «مجموعات منظمة تسعى إلى استغلال الوضع ومخاوف الشعب». وقالت في تغريدة «الأشخاص الذين ينشرون الفوضى في الشوارع ليسوا الأكثر عرضة للفيروس ولا الذين يكافحون من أجل حياتهم».
وكان المتظاهرون ينددون بحظر التجول الليلي والإغلاق الذي أعلن في كل المناطق الإسبانية تقريبا بهدف الحد من التنقلات في عطلة نهاية الأسبوع بمناسبة عيد جميع القديسين، على أمل تجنب إغلاق جديد.
وفي لوغرونو عاصمة منطقة لاريوخا في شمال البلاد المعروفة بالنبيذ، أضرمت مجموعة صغيرة من المتظاهرين النار في حاويات القمامة وحطمت واجهات متاجر في أعقاب مظاهرة سلمية احتجاجا على إغلاق حانات ومطاعم. وخرج شبان يضعون أقنعة ويغطون رؤوسهم من متجر ملابس وهم محملون بالبضائع فيما كان جرس الإنذار يدوي بحسب صور نشرتها وسائل إعلام محلية. وقالت صاحبة المتجر وتدعى كريستينا بيريز لإذاعة محلية «نعمل من أجل لقمة العيش وفي خمس دقائق يقضون على وجودنا».
وفي الشأن نفسه، تم إيقاف ستة أشخاص في لوغرونو بحسب ناطقة باسم الشرطة الوطنية. واعتقل عشرة آخرون في بلباو وسانتاندير (شمال). وفي ملقة (جنوب) حيث قامت مجموعة صغيرة من المتظاهرين أيضا بقلب حاويات القمامة وألقوا الزجاجات على الشرطة. وتم اعتقال شخص واحد على الأقل.
وندد رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بالاضطرابات في تغريدة قائلا إن «السلوك العنيف وغير العقلاني لمجموعات تشكل أقلية لا يحتمل». مضيفا «فقط من خلال المسؤولية والوحدة والتضحية سنتمكن من التغلب على الوباء الذي يخرب جميع البلدان».