شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

أي مستقبل للشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟

جهات معادية تخوض مناورات ومؤامرات لإجهاض الشراكة بين الطرفين

تكتسي العلاقات التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي أهمية ذات بعد استراتيجي لكلا الطرفين، فمنذ انطلاق مسلسل الوحدة الأوروبية، عمل المغرب من أجل تعميق علاقاته مع الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه، كما أن الاتحاد الأوروبي كان دوما يعتبر المغرب شريكا استراتيجيا متميزا داخل الفضاء الأوروالمتوسطي، لكن في السنوات الأخيرة بدأت بعض الجهات المعادية تخوض مناورات خبيثة داخل البرلمان الأوروبي للتشويش على هذه الشراكة الاستراتيجية، وصلت إلى حد إصدار قرار معادٍ للمغرب ويمس سيادته، هذا القرار دفع بالبرلمان المغربي بغرفتيه إلى اتخاذ قرار بإعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوروبي وإخضاعها لتقييم شامل لاتخاذ القرارات المناسبة والحازمة، فهل ستكون لهذا القرار تداعيات على مستقبل الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

يتعرض المغرب لمؤامرة داخل البرلمان الأوروبي، دبرتها أطراف معادية تحت جنح الظلام، بعد فشل كل المناورات السابقة، وتتجلى هذه المؤامرة في التصويت على قرار حول «وضعية الصحافيين بالمغرب»، في محاولة لممارسة الضغط على المغرب بملفات حقوق الإنسان.

ويأتي هذا القرار في الوقت الذي تنتشر فيه اتهامات خطيرة بالفساد لعدد كبير من أعضاء البرلمان الأوروبي، وذلك في إطار ما يسمى بقضية «بوابة قطر»، حيث يتعرض المغرب لهجوم إعلامي لا هوادة فيه على أساس مزاعم بأنه يقوم بإجراءات للتأثير على القرارات الأوروبية، سيما داخل البرلمان الأوروبي، بشأن مواضيع تتعلق بالمملكة (الصحراء المغربية، الاتفاقيات التجارية، حقوق الإنسان، إلخ).

 

مناورات تستهدف الشراكة المغربية الأوروبية

أفادت مصادر دبلوماسية بأن المغرب يتعرض منذ مدة لحملة من المضايقات والمناورات، لكن هذه المرة تجاوزت كل الحدود، من خلال إقحام مؤسسة البرلمان الأوروبي في هذه الحملة، وذلك على حساب مصالحه وقيمه. وأوضحت المصادر أن تزايد المناورات الخبيثة والضغوط لن يزيح المغرب عن مساره، حيث سيبقى مدافعا عن القضايا الوطنية ووفيا لخياراته السياسية داخليا وخارجيا. وأفادت المصادر بأن هذه الحملات لن ترهب المغرب، مشيرة إلى أن هذه المناورات التي يعتقد أصحابها أنها سترهب المغرب، لن تؤدي إلا إلى ترسيخ وحدته الوطنية، وخلق إجماع وطني من طرف كل المغاربة حول نموذجه التنموي وخياراته السياسية.

واستغربت المصادر، كيف لمؤسسة رسمية تدعي أنها ديمقراطية تمارس الضغط طوعا على دولة ذات سيادة وتمارس مضايقات على نظامها القضائي، عن قصد وتتدخل في قراراتها، وتحاول أن تفرض عليها ممارسات تتنافى مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي هذا الصدد، تضيف المصادر، أظهرت السلطة التنفيذية الأوروبية تناقضها أمام ممارسات البرلمان الأوروبي، بينما تتطور الشراكة الناجحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي وتعمل كقاطرة على مستوى الجوار الجنوبي لأوروبا، تفشل السلطة التنفيذية الأوروبية في الدفاع عنها أمام البرلمان الأوروبي، وتنغمس في خطاب غير متماسك.

وأبرزت المصادر أن المغرب دأب مثله مثل جميع البلدان على الدفاع عن مصالحه في سياق علاقاته مع مختلف شركائه الأجانب، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكا استراتيجيا للمغرب. وعمل لأكثر من نصف قرن، مع إشراك جميع المؤسسات الأوروبية، لتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات لصالح الطرفين.

ومن بين الإنجازات التي تحققت إبرام اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، واتفاقيات وبروتوكولات تتعلق بالصيد البحري، واتفاقية الفلاحة، والاتفاقية الجوية، والاتفاقية العلمية، وكذلك التوقيع على العديد من الوثائق السياسية والاستراتيجية، مثل الوثيقة المشتركة حول الوضع المتقدم (2008)، والإعلانات المشتركة للقمة (2010) ومجلس الشراكة الرابع عشر (2019)، وخطط العمل لتنفيذ سياسة الجوار الأوروبية والوضع المتقدم، وشراكة التنقل (2013)، والشراكة الخضراء (2022). ويعتبر الجانب الأوروبي هذه العلاقة اليوم نموذجا للنجاح في الجوار الجنوبي لأوروبا وما وراءها، كما يتضح ذلك من الملاحظات التي أدلى بها في يناير 2023 في الرباط، جوزيب بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية.

وخلصت المصادر إلى أن هذه الإنجازات هي التي تزعج بعض الأطراف وتثير ردود فعل ومناورات غير مناسبة وغير مفهومة، والهدف الوحيد منها هو إبطاء الديناميكيات الإيجابية التي شهدتها الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المملكة والاتحاد الأوروبي لهجمات تهدف إلى إضعافهما وتشويه سمعتهما داخل البرلمان الأوروبي، حيث كان المغرب موضوع 112 سؤالا برلمانيا منذ بداية هذا الولاية التشريعية، و 18 محاولة تعديل في سنة 2022 وحدها، و4 محاولات لاتخاذ قرارات ضد المغرب في السنة نفسها، بما في ذلك قرار واحد تم اعتماده في عام 2021 (أحدث مدينة سبتة المغربية)، ومحاولتان لترشيح أشخاص لجائزة ساخاروف لا علاقة لهم بحقوق الإنسان، وبالنسبة إلى قضية عمر الراضي وحرية الصحافة، تم إلغاء 3 قرارات في سنة 2022 وحدها.

 

تعميق الشراكة الاستراتيجية

جدد جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية،  وناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، التأكيد على الإرادة المشتركة للاتحاد الأوروبي وللمغرب لتعميق شراكتهما الاستراتيجية.

وقال بوريل، خلال ندوة صحافية مشتركة مع بوريطة، عقب مباحثاتهما: «أود أن أجدد التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي القوي بهذه الشراكة، ورغبتنا في توسيعها وتعميقها والقيام بما هو ضروري للحفاظ على إطارها القانوني».

وقال رئيس الدبلوماسية الأوروبية: «نحن، الاتحاد الأوروبي والمغرب، نبني شراكة متينة واستراتيجية تقوم على مبادرات مشتركة وملموسة»، مؤكدا أن المملكة «تعتبر أحد الشركاء الأكثر دينامية والأكثر قربا من الاتحاد الأوروبي»، وتضطلع «بدور مهم» في الفضاء المتوسطي وفي تنفيذ الأجندة الجديدة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وأضاف أنه «لا شك أن المملكة المغربية هي الشريك الذي باشر أقوى سياسات للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، من الضفة الجنوبية للمتوسط».

وشدد على إرادة الاتحاد الأوروبي تعزيز استثمارات الاتحاد في المغرب، ودعم الشباب المغربي، وتقوية الشراكة الممتدة في تدبير الهجرة وتوسيع نطاق شراكته مع المملكة لتشمل مجالات جديدة، كالمجال الرقمي، وخلص بوريل إلى أن الاتحاد الأوروبي والمغرب يمكنهما مجابهة التحديات سوية وبطريقة منسقة ومسؤولة.

من جانبه، أكد بوريطة على «المكانة المهمة» التي يحتلها الاتحاد الأوروبي باعتباره شريكا استراتيجيا ومن الطراز الأول للمملكة، وأوضح أن الأمر يتعلق بـ«شراكة جوار وقيم ومصالح»، مؤكدا أن انسجام الأولويات الوطنية المغربية والأولويات الأوروبية، يسهل تطوير هذه الشراكة من خلال برامج ومشاريع ملموسة.

وقال الوزير: «سنعمل على تجسيد الشراكة الخضراء الموقعة السنة الماضية، وإحراز تقدم في الشراكة الرقمية والمضي قدما في مشاريع أخرى، سيما المتعلقة بالتربية والتكوين، فضلا عن باقي المجالات التي توجد في قلب العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي»، وأضاف أن هذه الشراكة «التي يجب إغناؤها وإثرائها»، هي «شراكة جوار جغرافي وقيم مشتركة ومصالح متقاربة، وسيواصل المغرب العمل مع الاتحاد الأوروبي حول هذه المعايير الثلاثة».

وجدد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، التأكيد على موقف الاتحاد الأوروبي بشأن قضية الصحراء المغربية، الذي يثمن عاليا الجهود «الجادة وذات المصداقية» التي يبذلها المغرب لإيجاد حل لهذا النزاع الإقليمي.

وقال بوريل: «أخذنا علما، ونثمن عاليا الجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب في هذا الصدد (إيجاد حل لقضية الصحراء المغربية)»، موضحا أن «الاتحاد الأوروبي يدعم مسلسل الأمم المتحدة ومبادرات المبعوث الشخصي لأمينها العام الرامية إلى التوصل لحل سياسي وعادل وواقعي وبراغماتي ودائم ومقبول من الأطراف وقائم على التوافق، وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وسجل بوريل أن «الاتحاد الأوروبي يشجع كافة الأطراف على مواصلة انخراطها بروح من الواقعية والتوافق، في سياق تسوية تتماشى مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، وأضاف رئيس الدبلوماسية الأوروبية أنه يدرك مدى الأهمية القصوى لملف الصحراء، باعتباره «قضية وجودية» بالنسبة إلى المملكة.

كما جدد بوريل تأكيد التزام الاتحاد الأوروبي بمواكبة المغرب في ورش الإصلاحات الهيكلية المهم الذي تم إطلاقه، وفقا لرؤية الملك محمد السادس، وشدد على أهمية «إرساء رؤية أكثر طموحا للشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي»، منوها بإرادة جلالة الملك تحقيق مزيد من التقدم للمغرب.

وأكد بوريل، في هذا الإطار، على ضرورة تنزيل الالتزامات المتخذة، خاصة في مجالات مكافحة التغير المناخي والانتقال الطاقي، وكذا في مجال الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم، وخلص إلى القول: «إن هناك عددا كبيرا من المواضيع التي يتعين استكشافها من أجل تعميق شراكتنا»، مبرزا أهمية ترصيد المكتسبات المشتركة «للنظر نحو مستقبل يسوده المزيد من الود».

وأشاد المسؤول الأوروبي بالدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في سلام واستقرار المنطقة، وأوضح بوريل أن المباحثات التي أجراها مع بوريطة تطرقت إلى «التحديات الجيوسياسية القديمة والجديدة» التي على المغرب والاتحاد الأوروبي «أن يواجهاها»، وكذا لمختلف القضايا المتعلقة بالجوار الإقليمي والساحة الدولية، سيما «المنطقة المغاربية وليبيا والساحل وإيران والحرب الروسية الأوكرانية»، وحرص رئيس الدبلوماسية الأوروبية على توجيه الشكر إلى المغرب على «الدور المهم» الذي يضطلع به من أجل استقرار ليبيا.

كما أعلن بوريل عن إطلاق مبادرات جديدة تروم تقوية أكبر للشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مشيرا في هذا الإطار، على الخصوص، إلى الحوار رفيع المستوى حول الأمن الذي سينعقد قريبا بالعاصمة الرباط.

وكان بوريل قد قام بزيارة رسمية إلى المملكة بهدف تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وأجرى مباحثات مع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أعرب خلالها المسؤولان عن الإرادة المشتركة للمغرب والاتحاد الأوروبي لتعميق الحوار والتعاون في إطار شراكتهما الاستراتيجية، وهي الشراكة التاريخية التي واصلت تطورها خلال السنوات الأخيرة، لترقى إلى مكانة مرجعية في سياسة الجوار المعتمدة من طرف الاتحاد الأوروبي.

 

إجهاض مناورات بالبرلمان الأوروبي

أجهض نواب برلمانيون مغاربة، في شتنبر الماضي، مناورات لخصوم الوحدة الترابية داخل برلمان الاتحاد الأوروبي، من خلال إسقاط تعديلات تهم اتفاقيات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ووضعية حقوق الإنسان والاقتراح المغربي لحل النزاع حول القضية الوطنية.

وأوضح بلاغ للجنة البرلمانية المشتركة المغرب- الاتحاد الأوروبي، أن الوفد البرلماني المغربي اجتمع مع 21 نائبا برلمانيا أوروبيا بستراسبورغ عن مختلف الفرق السياسية، لمناقشة التقرير حول توصية البرلمان الأوروبي إلى المفوضية وإلى نائب رئيس المفوضية الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بشأن الشراكة المتجددة مع دول الجوار الجنوبي – أجندة جديدة للبحر الأبيض المتوسط، والذي تم التصويت عليه في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي بستراسبورغ، يوم الأربعاء 14 شتنبر 2022.

وأوضح البلاغ أنه تم التحضير الأولي للتقرير الأساسي بلجنة الخارجية من طرف المقرر البرلماني الأوروبي أنطونيو استرويز لوبيز وايت، عن مجموعة الحزب الشعبي الأوروبي، بخصوص الشراكة المتجددة مع دول الجوار الجنوبي – أجندة جديدة للبحر الأبيض المتوسط، والذي تضمن اقتراح مشروع تعديلات جديدة لمحاولة إدانة المغرب، علما أنه تم التداول بشان التقرير نفسه بلجنة الخارجية خلال شهر يوليوز الماضي، حيث تم اقتراح تعديل رقم 179 ومشروع توصية رقم 192، وهما معاديان للمغرب من طرف مجموعة من البرلمانيين الاوروبيين عن فريق الخضر واليسار الأوروبي الموحد بريادة البرلمانية الأوروبية، ايدوإيا فيلانويفا رويز، والبرلمانية الأوروبية ماريسا ماتياس، وبموازاة مع الأحداث، التي شهدها السياج الحديدي بين مدينتي الناظور ومليلية المحتلة، ومحاولة الاقتحام الجماعي والمنظم من طرف المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، وتم رفضهما جملة وتفصيلا من طرف لجنة الخارجية آنذاك.

وأضاف البلاغ أنه على خلفية هذه الاستراتيجية الممنهجة ضد المغرب من طرف برلمانيين أوروبيين مساندين لأطروحة الانفصاليين لجبهة البوليساريو ومحاولتهم اليائسة لتضليل الرأي العام الأوروبي، والتي تم إفشالها في لجنة الخارجية في شهر يوليوز، جراء تضافر جهود الفرق البرلمانية الأوروبية، بتنسيق مع الوفد البرلماني المغربي المنتمي للجنة المشتركة، أقدمت النائبة البرلمانية الأوروبية عن مجموعة اليسار، ايدوايا فيلانويفا رويز، بطرح تعديلات جديدة رقم 16 أخيرا تهم اتفاقيات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ووضعية حقوق الإنسان، والاقتراح المغربي لحل النزاع حول القضية الوطنية.

وفي هذا الإطار، يضيف البلاغ، كثف أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة بين المملكة المغربية والاتحاد الاوروبي لقاءاتهم، حيث اجتمعوا خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 13 و14 شتنبر الماضي مع 21 برلمانيا أوروبيا، إذ تم إقناعهم بضرورة رفض هذه التعديلات المعادية للمملكة. كما عبرت كل الأطراف عن الإرادة المشتركة لمواصلة الحوار الأورو- مغربي، وأهمية إيجاد حلول تشاورية للتحديات والتهديدات التي يواجهانها في سبيل إعطاء دفعة جديدة للعلاقات التي تجمع المغرب بالاتحاد الاوروبي، والقيام بعمل تضامني من أجل النهوض بسياسة الجوار الأوروبي، وذلك باستغلال كل فرص التعاون المتاحة لتحقيق الأمن المستدام والازدهار المشترك.

وأشار المصدر إلى أنه خلال هذه الاجتماعات، دعا أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز ودعم مسلسل البناء الأورو- مغربي، من خلال مقاربة ترمي إلى إرساء روابط أكثر متانة قادرة على تحفيز التنمية المشتركة، وخاصة في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة والسلم والأمن والفلاحة، والصيد البحري، والهجرة، والأمن، والجريمة المنظمة، والإرهاب العابر للحدود، وكضرورة تأخذ بعين الاعتبار الشراكة المغربية الأوروبية بجميع أبعادها. وأكد البرلمانيون المغاربة على ضرورة الوعي بخطورة الوضع وتزايد التهديدات الأمنية، وأصروا على تضافر الجهود في إطار مقاربة تشاركية ووقائية لمواجهة كل المخاطر التي تهدد المنطقة الأورو- متوسطية.

وكنتيجة للمبادرات التي قامت بها اللجنة البرلمانية المشتركة المغربية الأوروبية، استطاعت أن تحبط مشروعي التعديل خلال الجلسة العامة بالبرلمان الأوروبي بستراسبورغ، حيث تم سحب التعديل رقم 16 ليلة التصويت، ورفض التعديل رقم 20 خلال جلسة التصويت بأغلبية مطلقة، مكونة من جميع الأطياف السياسية، من أحزاب اليمين والوسط واليسار، أسفرت مرة أخرى عن تقريب وجهات النظر بين البرلمانيين المغاربة ونظرائهم الأوروبيين، وإبراز الدور الريادي الذي يلعبه المغرب مع جواره الأوروبي في جميع الميادين.

إدانة قضائية وحقوقية لقرار البرلمان الأوروبي

 

أدان المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب ما وصفها بـ «اتهامات ومزاعم خطيرة تستهدف استقلال السلطة القضائية»، وردت في قرار البرلمان الأوروبي الصادر يوم الخميس 19 يناير 2023، وقد انتقد المجلس ما اعتبره تحريف الوقائع، والتشكيك في شرعية وقانونية الإجراءات القضائية المتخذة بشأن قضايا بعضها صدرت فيه أحكام باتة، والبعض الآخر ما زال معروضاً أمام القضاء، كما انتقد المجلس «تشويه المعطيات المتعلقة بالقضايا التي تطرق لها القرار، والتي تخالف حقيقة الوقائع المذكورة، والتي جرت بشأنها المحاكمات وفقاً للقانون، وفي احترام تام للضمانات الدستورية، ولكافة شروط المحاكمة العادلة».

واستنكر المجلس ما قام به البرلمان الأوروبي «من تنصيب نفسه كهيئة لمحاكمة القضاء المغربي بشكل سافر ومنحاز، ينبني على تحامل غير مبرر على المؤسسات القضائية للمملكة، ولا يولي أدنى اعتبار لاستقلال القضاء»، وعبَّر عن «رفضه التام والمطلق للتدخل في القضاء ومحاولة التأثير في مقرراته»، كما ندد بشدة بما تضمنه القرار الأوروبي «من دعوة إلى ممارسة الضغط على السلطة القضائية للإفراج الفوري عن الأشخاص الذين سماهم، ويعتبر أن ذلك يشكل مساً خطيراً باستقلال القضاء، ومحاولة للتأثير عليه».

وأوضح المجلس أن «الأشخاص الواردة أسماؤهم في القرار المذكور استفادوا من جميع ضمانات المحاكمة العادلة المقررة قانوناً، ومن بينها تمتعهم بقرينة البراءة، وحقهم في الدفاع والحصول على جميع وثائق القضية، والمحاكمة العلنية الحضورية، واستدعاء الشهود ومناقشتهم، وإجراء الخبرات القضائية، وممارسة الطعون، وغيرها من الضمانات الأخرى»، كما أشار إلى أن الوقائع موضوع محاكمة الأشخاص المذكورين في قرار البرلمان الأوروبي «غير مرتبطة بنشاطهم الصحافي، أو بممارسة حريتهم في الرأي والتعبير، وأن التهم الموجهة إليهم تتعلق بقضايا الحق العام، من قبيل الاتجار بالبشر، والاعتداء الجنسي، واستغلال هشاشة الأشخاص، وهي أفعال تجرمها مختلف قوانين العالم»، ورفض المجلس «ازدواجية المعايير التي جاءت في قرار البرلمان الأوروبي؛ حيث كان من الواجب عليه أن يدين الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها الضحايا».

في السياق ذاته، أعلنت «الجمعية المغربية لحقوق الضحايا» أنها تابعت «بقلق شديد تصويت البرلمان الأوروبي على ما سُمي قرار وضعية بعض الصحافيين بالمغرب الذين تبنت الجمعية ملفات ضحاياهم، باعتبارهم ضحايا اعتداءات جنسية». واستنكرت قرار البرلمان الأوروبي الذي تعامل «بتجاهل مع قضايا الاعتداءات الجنسية، وإنكار حق الضحايا في اللجوء إلى العدالة»، وأدانت الجمعية «التدخل السافر للبرلمان الأوروبي في قضايا حق عام معروضة على القضاء المغربي، وهو ما يعتبر مساً خطيراً باستقلالية القضاء وبضمانات المحاكمة العادلة»، ورفضت الكيل بمكيالين إزاء الحقوق الكونية لضحايا الاعتداءات الجنسية، على الرغم من أنها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جميع المواثيق الدولية ذات الصلة. وأدانت «التوظيف السياسي لحقوق الإنسان من أجل الضغط السياسي والاقتصادي على المغرب، لخدمة أجندات ولوبيات يزعجها المسار الديمقراطي والتنموي الذي يعرفه المغرب».

وعبرت جمعية المحامين المغاربة ومن أصل مغربي الممارسين بالخارج، عن رفضها وإدانتها لقرار البرلمان الأوروبي الأخير حول المغرب لكونه «يتعارض مع المواثيق الدولية ويمس بسيادة المملكة المغربية، خاصة بالسلطة القضائية»، حسب الجمعية، التي اعتبرت أن هذا القرار غير مقبول من مؤسسة تعتبر نفسها حامية للحقوق والديموقراطية، مشيرا إلى أن قرار البرلمان الأوروبي «يمس بسيادة الدول ويضرب بعرض الحائط مقتضيات قرار مجلس الأمن 2131 الصادر سنة 1965، والذي كرس مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول».

وأبدت الجمعية استغرابها للكيفية التي سقط بها البرلمان الأوروبي «في فخ بعض المسيرين، ليمس بسيادة المملكة المغربية ويضع نفسه القاضي والمراقب لدولة لها سيادتها، والتي تكن له فقط الود والاحترام»، وأوضح المحامون أن البرلمان الأوروبي كان عليه «الاهتمام بالأزمة الخانقة التي يعيشها المجتمع الأوروبي وحماية حقوق المهاجرين والحد من سياسات الحقد والكراهية عوض المس بسيادة الدول»، مضيفين أن من حق البرلمان الأوروبي كسائر المؤسسات أن لا يتفق مع بعض السياسات ولكن ليس من حقه أن يقوم مقام طرف ليضرب سيادة دولة بطريقة استهدافية، مشيرة إلى أن المجلس الأعلى للقضاء بالمغرب وكباقي الدول لا يحتاج لقرارات البرلمان الأوروبي، وكل تدخل من هذا القبيل يعتبر «مسا سخيفا وغير مقبول لأنه يعتبر طعنة لاستقلاليته ونزاهته» ومخالفا للمعاهدة الأوروبية المتعلقة باستقلالية القضاء.

في السياق ذاته، قال نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، عبد الحفيظ ولعلو، إن البرلمان الأوروبي تجاوز صلاحياته بـ«تدخله السافر» في الشؤون الداخلية للمغرب، وذلك من خلال تصويته على قرار «غير مسؤول»، وغير مقبول من قبل الشعب المغربي وقواه السياسية والنقابية، حسب المتحدث، الذي أوضح في تصريح صحافي أن هذا البرلمان «تجاوز صلاحياته المحددة في نظامه الأساسي من خلال «تدخله السافر» في الشؤون الداخلية للمغرب»، لافتا إلى أنه في الماضي، كان هذا البرلمان نفسه، وهو من يستغل حقوق الإنسان للضغط على بلدنا، كما اختار سياسة الكيل بمكيالين في بعض النزاعات والتدخلات الخارجية التي لها صلة بحقوق الإنسان للشعوب.

وحسب الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، فإنه «من خلال زعمه بالدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة، فإن هذا البرلمان ينخرط للأسف في استراتيجية لا مستقبل لها، وهو ما يتنافى مع اتفاقية الشراكة الموقعة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي سنة 1996 من أجل شراكة استراتيجية مبنية على القيم الديمقراطية المشتركة»، مؤكدا أن «غياب المسؤولية والرؤية الاستراتيجية لهذه المؤسسة يفسر هذا التصويت الهادف إلى الإضرار بصورة المغرب، وذلك من خلال الاعتماد على تقارير مفبركة من قبل بعض المنظمات غير الحكومية الأجنبية النشيطة في مجال حقوق الإنسان والمعروفة بمواقفها المعادية للمغرب، وتزييفها للحقائق».

الإطار التاريخي للعلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

 

 

تكتسي العلاقات التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي أهمية ذات بعد استراتيجي لكلا الطرفين، فمنذ انطلاق مسلسل الوحدة الأوروبية، عمل المغرب من أجل تعميق علاقاته مع الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه. كما أن الاتحاد الأوروبي كان دوما يعتبر المغرب شريكا استراتيجيا متميزا داخل الفضاء الأوروالمتوسطي، فالعلاقة بين الطرفين قطعت أشواطا متعددة، حيث تم التوقيع على أول معاهدة سنة 1969 كانت تخص المجال التجاري، ونظرا إلى الأهمية الاستراتيجية لهاته العلاقات، سعى الطرفان إلى فتح أفق جديدة للتعاون المغربي الأوروبي، بحيث قرر الطرفان بحث سبل تعزيز التعاون في شتى القطاعات الحيوية للاقتصاد، وقد أثمر هذا المسعى على التوقيع على اتفاقية جديدة للتعاون سنة 1976همت القطاع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، الأمر الذي أعطى دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين المغرب والمجموعة الأوروبية.

وفي سنة 1996، شهدت العلاقات بين المغرب والمجموعة الأوروبية قفزة نوعية مقارنة مع تطورات الحقبة السابقة، حين وقع الطرفان معاهدة شراكة أورو متوسطية جديدة شملت شتى المجالات والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2000، لتمثل الإطار القانوني الذي يحكم حاليا العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى هذا التحول الملموس، عمل الطرفان المغربي والأوروبي على تعزيز العلاقات الثنائية، حيت شرعا سنة 2005 في تطبيق خطة عمل جديدة تدخل في نطاق تفعيل سياسة الجوار الأوروبية مع المغرب. وتعد هذه الآلية إطارا مناسبا من أجل مواكبة المغرب في مشروعه الحداثي والتنموي، معتمدا في ذلك على تقنيات فعالة للتعاون، كالتوأمة المؤسساتية والمساعدات التقنية.

أما الإطار القانوني للعلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، فقد استمد مقوماته من مبادئ وفلسفة الإعلان السياسي لبرشلونة الصادر سنة 1995، الذي تم تجديده من قبل الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، ويهدف هذا الإعلان بشكل أساسي إلى تعزيز الحوار السياسي والأمني بين دول المنطقة الأورومتوسطية، وإقامة شراكة اقتصادية تفضي إلى تحقيق الازدهار المشترك، وتشجيع وتعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بين الشعوب، من خلال إقامة شراكة اجتماعية وثقافية وبشرية بين الاتحاد الأوروبي ودول منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وشكل تبني الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار الأوروبية وإخراجها إلى حيز التنفيذ سنة 2003، منعطفا أساسيا في تعزيز التعاون بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، حيث تم تفعيل سياسة الجوار بتبني خطة عمل جديدة مع المغرب في يوليوز 2005، وذلك بغية تعميق التعاون متعدد المجالات والهادف إلى تحسين ظروف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمملكة، في هذا الإطار، تؤكد سياسة الجوار الأوروبية على التزام الطرفان بتعزيز تقاربهما في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية، من أجل إعطاء دينامية جديدة للعلاقات بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي تصل إلى مدى أبعد من الشراكة، وعلى هذا الأساس، تبنت المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي الوثيقة المشتركة حول الوضع المتقدم في 13 أكتوبر 2008، والتي ترمي أساسا إلى تعزيز المنجزات والمكتسبات التي حققتها الشراكة المغربية الأوروبية، وخلق مبادرات جديدة وطموحة من شأنها جعل العلاقات الثنائية بين الطرفين نموذجية على المستوى الإقليمي. كما أن الوضع المتقدم، يعكس اعتراف الاتحاد الأوروبي بالتقدم الذي أحرزته المملكة المغربية على مستوى مسار الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويكرس انتماء الشريكين لذات القيم المرتبطة بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان. علاوة على هذا، فإنه يفتح آفاقا جديدة متعددة الأبعاد والمجالات للعلاقات المغربية الأوروبية.

 لعـتـيـق السعيد*:

 «قرار البرلمان الأوروبي تحريف ممنهج للوقائع وتشكيك متعمد في شرعية وقانونية إجراءات مؤسسات وطنية»

 

 

1- كيف تنظرون إلى قرار البرلمان الأوروبي تجاه ضرب مصداقية المؤسسات الوطنية؟

أولا، قرار البرلمان الأوروبي تجاه المغرب متناقض بشكل مفضوح، ومبني على تحريف ممنهج للوقائع، وتشكيك متعمد في شرعية وقانونية الإجراءات القضائية المتخذة من طرف مؤسسات وطنية راكمت عقودا طويلة من آليات الدمقرطة، واحترام مبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، تعززت بشكل مشهود له قاريا ودوليا بما تضمنته مقتضيات دستور 2011 من آليات تكرس الحياد والاستقلالية والنزاهة والشفافية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وضمان ممارستها الكاملة.

ولا بد من الإشارة إلى أن حملة المضايقات التي تستهدف المؤسسات المغربية، لم تكن الأولى من نوعها، فقد تعدد وتكرر نهجها في كل محطة أو مجال يبرز فيه المغرب مجددا ريادته وتفوقه قاريا ودوليا، وقد تتبعنا من قبل الحملات التي كانت تستهدف ريادة ومصداقية المؤسسات الأمنية، أو التي ارتبطت آنذاك بالتشويش على مسارات ترسيخ العملية الديمقراطية/الانتخابات، وغيرها من الحملات التي تطفو على السطح كلما تلقى المغرب اعترافا بعدالة القضية الوطنية، أو طلب افتتاح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية. وبالتالي بحكم تكرارها في سياقها المحدد بات من المؤكد أنها مضايقات ممنهجة مدعومة من قبل أولئك الذين يزعجهم تقدم المغرب وفرض سياسته وانفتاحه على محيطه الإقليمي والدولي، لكن في المقابل المغرب مدرك لما يُروج له من حملات تستهدف سيادته ومكانة مؤسساته الوطنية، حيث إن المملكة المغربية حذرت منها في غير ما مرة، لكونها اتخذت طابعا متعمدا ومخططا له مع سبق الإصرار بشكل مباشر وغير مباشر لكل مصالحها وقضاياها، وهنا يطرح السؤال لماذا المغرب تحديدا دون باقي الدول العربية، أو الإفريقية؟

البرلمان الأوروبي كشف عن ازدواجية المواقف وتناقضا مفضوحا، يكشف حقيقة قراراته في استهدافه مؤسسات وطنية دستورية لها تاريخ طويل من تفعيل مبادئ الحكامة، كما هي متعارف عليها دوليا من قبل دول الاتحاد الأوروبي نفسه. أيضا لو كان البرلمان الأوروبي مؤمنا بحقوق الإنسان كما يدعي، كان الأجدر والأحق مناقشته لوضعية السكان المحتجزين في مخيمات العار بتندوف، الذين يتعرضون منذ حوالي خمسة عقود لأبشع انتهاكات لحقوقهم الأساسية، وهذا الأمر ينطبق أساسا وبشكل خاص على أطفال هذه المخيمات، الذين يتم تجنيدهم بالقوة من طرف البوليساريو، أو ترحيلهم إلى كوبا للتدريب العسكري والتكوين الإيديولوجي، كما تتم تعبئتهم عبر مقررات دراسية تشجع على العنف والحروب والكراهية، والرمي بهم داخل النزاعات والصراعات المسلحة للقيام بعمليات انتحارية، وهذا ما تؤكده مختلف تقارير المنظمات الدولية، وقامت بفضحه العديد من وسائل الإعلام الدولية، وأثبته شهادات المواطنين العائدين إلى أرض الوطن.

إن هذا الوضع يشكل أحد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في العصر، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، إلا أن البرلمان الأوروبي لم يعتبره كذلك. وهو دليل قاطع على أن قراره تجاه المغرب كيدي وغير واقعي.

 

2- ماذا بخصوص قرار البرلمان الأوروبي حول المؤسسات الحقوقية بالمغرب؟

قرار البرلمان الأوروبي، بخصوص وضعية حقوق الإنسان وحرية الصحافة، يعتبر تدخلا غير مشروع في الشؤون الداخلية للمغرب، وانتهاكا خطيرا بجميع المقاييس القانونية والشرعية، كما يشكل أيضا تدخلا غير مقبول في عملية البت في قضايا صدرت في بعضها أحكام باتة، والبعض الآخر ما زال معروضا على أنظار القضاء.

ولا بد من التذكير بأن المغرب استبق منذ 23 سنة إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة ودسترة المؤسسات الحقوقية، كأول بلد عربي له السبق في هاته المبادرة الفريدة على مستوى الوطن العربي، ثم تلتها مبادرات ساهمت في تعزيز منظومة حقوق الإنسان وترسيخ الديمقراطية والتي شهدت محطات حقوقية تاريخية فريدة على المستوى العربي أو الدولي، حيث طبعت مسارا متميزا من المصالحة مع ماضي الدولة ومأسسة مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، كما صادق وانخرط في العديد من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تسوية طلبات اللجوء المقدمة من طرف المهاجرين المقيمين فيه، وتمكين الدولة من سبل التعايش بين الأديان السماوية وللثقافات الأخرى، وجعل المملكة تحظى بتقدير مؤسسات دولية لعل أبرزها مؤسسة الفاتيكان والطوائف الأخرى، وتشييد مجموعة من المؤسسات الدستورية في مجال الثقافة الإنسانية والمناصفة بين الجنسين.

إن مأسسة حقوق الإنسان من خلال تعديل الدستور في 2011، والذي يعتبر دستور الحريات والحقوق بامتياز، جعل المغرب أمام دسترة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والانتقال به إلى مرتبة مؤسسة دستورية عبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يشمل لجانا جهوية في جميع جهات المملكة. تمكن من خلالها المجلس في غير ما مرة من تجديد اعتماد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الدرجة (أ) كمؤسسة وطنية مستوفية لشروط الاستقلالية والتعددية واختصاص حماية وتعزيز حقوق الإنسان، بما يطابق مبادئ باريس المؤطرة لعمل هذا النوع من المؤسسات، مما يمثل اعترافا بهذا التوجه الجاد والمسؤول الذي يميز عمل المؤسسات الحقوقية بالمغرب. وهي كلها محطات ومبادرات تجعل من البرلمان الأوروبي غير واقعي، ويضرب في استقلالية المؤسسات ذات المصداقية والثقة الدولية من جهة، ومن جهة ثانية يتعارض مع قضايا تشكل في حد ذاتها وفي سياقها الوطني إجماعا لدى القوى السياسية الفاعلة، وكافة أطياف المجتمع المدني بالدولة.

 

3- هل يشكل هذا القرار مسا باستقلالية المؤسسات القضائية؟

البرلمان الأوروبي قدم اتهامات ومزاعم غير حقيقية، تستهدف في المقام الأول استقلالية السلطة القضائية، ومكانة المؤسسات الحقوقية، كما هو واضح محاولته الالتفاف حول فرض وصاية على المغرب، خدمة لمصالح دول معادية له تحركها أجندات وتيارات تسعى بكل الطرق الخبيثة والخفية إلى ضرب صورته داخل البرلمان الأوروبي، في محاولة منها للتشويش على ما حققته بلادنا من انتصارات دبلوماسية متتالية واعترافات دولية متزايدة بعدالة القضية الوطنية، وما حققته من تطور بارز في المجال التنموي، أفقيا وعموديا، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس الذي أسس لنموذج تنموي يشكل ورشا حاضنا لرضا كل مكونات المجتمع المغربي.

هذا التركيز على محاولات التشويش على استقلالية القضاء، بشكل خاص، والمؤسسات الدستورية بشكل عام، يستلزم ضرورة حماية قوة اللحمة الوطنية والتماسك والاصطفاف لحماية قضايا الوطن، والسير في تطوير مسارات الشراكة والتعاون مع الدول الكبرى التي انخرطت فعليا فيها بعد قناعة تامة واقعية ومعاينات ميدانية للوضع الديمقراطي والحقوقي، وكذا التنموي بالمغرب، هاته الشراكات كفيلة بتجويد العلاقات الثنائية بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي لن تتأثر بتدخل البرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للمغرب، المشهود له بانفتاحه الدائم على آليات حماية حقوق الإنسان والديمقراطية.

* باحث أكاديمي ومحلل سياسي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى