شوف تشوف

الرأي

أين يوجد العقل

 

رضا سعادة

 

أين يوجد مركز العقل والتعقل، في القلب أم في الدماغ؟

تثبت العلوم الطبية، وعلوم الفيزيولوجيا والتشريح أن مركز الإدراك هو الدماغ والأجهزة العصبية؛ فالدماغ هو مركز العقل والتعقل، بدليل وجود مراكز دماغية متعددة، أو مناطق، كل مركز منها مسؤول عن نوع من أنواع السلوك والتصرفات، إذ توجد مراكز للحركة الإرادية وغير الإرادية، ومراكز لاستقبال المعلومات الواردة من الحواس، ومراكز للإحساس بالجوع والعطش وتنظيم عمل الغدد، كذلك مراكز للمشاعر والعواطف والانفعالات، وللمقدرات المتنوعة…

وإذا كان الدماغ هو الذي يسير حياة الإنسان كلها، لدرجة أنه إذا تعطل مركز من مراكزه، بسبب مرض أو صدمة، تعطلت معه القوة الإدراكية التابعة له… وإذا تعطل الدماغ كله، بتلفه أو موت خلاياه، تتعطل جميع وظائفه، ويدخل الشخص حينها في غيبوبة، فلا يعود يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يدرك شيئا مما حوله، حتى لو بقي قلبه حيا… فهل يعني ذلك أن عضلة القلب هي مجرد مضخة تستقبل الدم وتضخه لكافة أنحاء الجسد؟

إن في القرآن الكريم عدد لا يستهان به من الآيات التي تشير في ظاهرها إلى أن القلب هو مركز العقل والتعقل؛ ومن هذه الآيات: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور…)، «الحج»، الآية: 46. (لهم قلوب لا يفقهون بها…)، «الأعراف»، الآية: 179. (وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون…)، «التوبة»، الآية: 93. (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم…)، «البقرة»، الآية: 225.

كما توجد آيات أخر تشير إلى أن القلب هو مركز العواطف والمشاعر والأحاسيس، منها: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك، فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، «البقرة»، الآية: 74. (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه)، «آل عمران»، الآية: 7. (فطبع على قلوبهم فهم لا يشعرون)، «الأعراف»، الآية: 100.

وربطا بهذه الآيات الكريمة، فإننا نعرج على ما قاله وصرح به بعض العلماء، نقلا عن بعض أطباء القلب المحدثين، من أن «القلب ليس مضخة للدم فقط كما يعتقد، إنما يجري الحديث جديا عن دماغ (عقل) موجود بالقلب، يتألف من أربعين ألف /40000/ خلية عصبية، وهو الذي يوجه الدماغ الذي في الرأس لأداء مهامه… وأن القلب هو الوسيلة التي نعقل بها…».

كما يتحدثون عن ذاكرة للقلب، وأن كل خلية من خلاياه تشكل مستودعا للمعلومات والأحداث، وأن الخلل في عمل القلب يؤدي إلى فقدان السمع (ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون)، «الأعراف»، الآية: 100.

وآخر ما استشهد به أصحاب هذا الرأي هو أن الإنسان الذي زُرع له قلب صناعي، بعد تعطل قلبه الطبيعي، لا يعود يخاف، أو يتأثر بالأحداث.

في هذا الصدد، اجتمعنا إلى أحد الأصدقاء، الذي تعطل قلبه الطبيعي وزُرع له قلب صناعي، وسألناه عن حاله، فكذب هذه المقولة. لقد أفادنا صاحب القلب الصناعي بأنه لم يحصل له شيء من ذلك كله، وهو يعيش حياته بصورة طبيعية، دون أي تغير في مشاعره أو عواطفه أو أحاسيسه، أو في طريقة تفكيره، أو فـي إدراكه الأمور وفي طريقة معالجتها.

وربما توهم أنصار الرأي القائل بوجود العقل في القلب، فاعتقدوا ذلك بسبب أهمية هذا العضو الرئيس في الجسم، فالقلب لا يموت بموت أي عضو من أعضاء الجسد، وقد لا يموت لو ماتت الأعضاء الأخرى كلها؛ لكن جميع أعضاء الجسد تموت بموت القلب وبتوقفه عن العمل…

وصحيح أن عضلة القلب تعمل بنوع من الاستقلالية المحدودة، تنظمها أنسجة جينية مولدة للنشاط الكهربائي، لكن ذلك كله يخضع لسيطرة الدماغ، الذي يرسل إشارات عصبية تتحكم بسرعة حركة القلب.

وإننا نعتقد جازمين، وحتى تاريخه، أن أعمال العقل والتعقل مركزها الدماغ، والأجهزة العصبية التابعة له، لا القلب الذي أنيطت به عملية ضخ الدم، والتسيير الآلي الذاتي الذي هو في غاية الدقة والبرمجة الذاتية. وإن ما نُسب إلى القلب، من العواطف والمشاعر والأحاسيس، واستطرادا من الحكمة والبصيرة والروية، هو إسناد رمزي واصطلاحي، لأهمية هذا العضو الرئيس.

كذلك، فإن ما ورد بالقرآن الكريم، من نسبة العلم والفقه والإدراك والأحاسيس والمشاعر وغيرها إلى القلب، نعتبره تنسيبا وإسنادا رمزيا واصطلاحيا، كمن يختصر الشخص كله بعضو من أعضاء جسده، فيقال مثلا: «هذا الشخص هو رأس الإدارة، وذاك يد طائلة فيها، وذلك عين ساهرة عليها».

وربما كان منشأ الالتباس، في اعتبار العقل من أعمال القلب لا من أعمال الدماغ، ما خصص به القرآن الكريم ذوي الألباب، أي أصحاب العقول، من الحكمة والمعرفة، لأن الألباب تعني العقول كما تعني القلوب في الوقت عينه.

قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) («البقرة»، الآية: 179)، وقال أيضا: (وما يذكر إلا أولو الألباب) («البقرة»، الآية: 269 و«آل عمران»، الآية: 7)، وغيرها من الآيات. والألباب في اللغة، جمع لب، وهو العقل الخالص من الشوائب. واللب في اللغة أيضا يعني القلب.

خلاصة القول: سنبقى، مستندين إلى الإجماع العلمي، نعتبر أن الدماغ هو المركز الفعلي والحقيقي للعقل، وأن ما نُسب إلى القلب مجازا كان بمثابة الرمز والاصطلاح. نؤكد ذلك ونصر عليه، ما لم تقم العلوم الطبية وعلوم الحياة، بإثبات العكس، إثباتا علميا مبنيا على التجارب والاختبارات.

نافذة:

الدماغ هو مركز العقل والتعقل بدليل وجود مراكز دماغية متعددة أو مناطق كل مركز منها مسؤول عن نوع من أنواع السلوك والتصرفات

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى