شوف تشوف

الرأي

أين كل تلك «الكفاءات»؟

يونس جنوحي
لمّح المنسحبون من الحكومة إلى أشياء كثيرة، لكنهم لم يناقشوا جوهر المشكل. وبدأ نبيل بنعبد الله في رشق جدار الحكومة بالحجارة بعد أن أصبح خارجها، وأصبحت نقاشاتها السابقة فجأة «يندى لها الجبين».
الحالة فعلا يُرثى لها، كما يقول البيت العربي المأثور. يُرثى لها كثيرا، خصوصا مع الأنباء المتداولة حديثا عن تخبط رئيس الحكومة ومشكل الكفاءات داخل أحزاب الأغلبية التي تشكل الحكومة.
وحسب الأخبار الواردة يوم أمس، فإن الوزارات التي سوف تُلغى كتاباتها، تبقى في الحقيقة فائضة عن اللزوم وسبق التنبيه إلى أنها مناصب إضافية بعضها تم خلقه لإرضاء أحزاب الأغلبية الحكومية فقط لا غير.
كان متوقعا أن ينسحب الشيوعيون الجدد من الحكومة، خصوصا أن الشيوعيين الحقيقيين كانوا يُنكتون على رفاق نبيل بنعبد الله ويقولون إن حزب التقدم والاشتراكية أصبح إسلاميا أكثر من الإسلاميين. لكن منذ التعديل الأخير عندما غادرت شرفات أفيلال الحكومة بعد فضيحة «جوج فرنك»، ورفاق نبيل بنعبد الله يعبرون بين الفينة والأخرى عمّا مفاده أن الأمور داخل الحكومة ليست على ما يرام.
نعود إلى مشكل الكفاءات، الذي هو جوهر المشكل الحكومي بالأساس. عندما نقلص كتابات الدولة من الوزارات، فهذا يعني أننا نوفر على ميزانية الدولة ملايين الدراهم سنويا ونعفي جيوب المغاربة من صرف معاشات بالملايين لوزراء لم يشتغلوا في المنصب الحكومي سوى سنة ونصف، وسوف يستحقون بعدها أن يدخلوا موسوعة غينيس الدولية للأرقام القياسية.
سيكون مفيدا تقليص عدد الوزارات أيضا وليس فقط الكتابات المرتبطة بها والدواوين. وهذا التقليص سوف يسهل على الأقل مهمة رئيس الحكومة وهو يضع لوائح الاستوزار التي يرفعها إلى الملك. لكن مشكل المغرب الآن هو غياب الكفاءات. لقد ظل هؤلاء المتحزبون الذين يتساءلون اليوم عن سر غياب كفاءات تمارس العمل السياسي داخل الأحزاب الوطنية لكي يتم اقتراحهم للوزارات، وكأنهم لا يعلمون الجواب سلفا.
أصحاب الكفاءات في القطاعات الحيوية بالمغرب غادروا إلى كندا منذ مدة ليست بالقصيرة، وبعضهم فضلوا الذهاب إلى فرنسا واعتزلوا العمل السياسي بعد أن فقدوا الأمل في رؤسائهم..، بحكم أنهم مارسوا أنشطة كثيرة في شبيبة الأحزاب ووصلوا إلى خلاصة مفادها أن هؤلاء الذين يسيرون الأحزاب المغربية لا يُحسنون سوى لغة الخشب ولا يتفاهمون إلا بالتراشق بالكراسي وبعث الرسائل بالمرموز إلى من يسمونهم تارة «مشوشين» وتارة أخرى بـ«الخصوم».
سيكون مضحكا لو نستحضر الأنشطة التي مارسها قياديو الحزب الحاكم طوال شهري يوليوز وغشت. ستجدون أن معظم قياديي العدالة والتنمية المعروفين ذهبوا على نفقة الحزب إلى دول أوربية كثيرة لكي يلتقوا بـ«الكفاءات». وأرشيف الأخبار والتغطيات المنحازة التي قدموها لا يزال متوفرا لمن يريد أن يتأكد. شهران من «البروباغاندا» السياسية الفارغة التي حاول من خلالها هؤلاء الناس أن يبعثوا رسائل للمغاربة مفادها أن حزبهم يتوفر على كفاءات كثيرة لا تنقطع في العواصم الأوربية وأنهم ملتفون حول قائد الحزب. أين تلك الكفاءات اليوم؟ أليس رئيس الحكومة شخصيا في موقع لا يُحسد عليه؟ لماذا لا يلجأ إلى «الكفاءات» لكي يرمم حكومته المتصدعة التي تحكم عليها الأرقام الرسمية، بأنها ليست أفضل من سابقتها؟
واقع الحال يقول إن «البروفايلات» التي يبحث عنها رئيس الحكومة توجد سيرتها الذاتية في مكاتب الهجرة إلى كندا أو قرعة الولايات المتحدة الأمريكية، والكفاءات الوحيدة التي بقيت متوفرة اليوم، لا تفهم إلا في علاقة «الساعة الصيفية» بأوقات النوم والتكاثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى