ثروات مهمة تتعرض للاستغلال وشعب يغوص في الفقر
رغم أن النيجر من أفقر بلدان العالم إلا أنها لديها القدرة الكافية أن تتخطى عتبة الفقر، بفضل المعادن والثروات الطبيعية التي تزخر بها البلاد، والتي تجعل منها المصدر الأساسي لليورانيوم والذهب في العالم. لكن الشعب النيجري لا يستفيد من هذه الثروات، إنما النيجر تصدر إلى بلدان أخرى وتتعرض للاستغلال.
تصنف النيجر بين أكثر بلدان العالم مديونية بالنسبة إلى حجم الناتج المحلي. ففي عام 2021، احتل اقتصاد النيجر المرتبة 124 في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة الـ129 من حيث إجمالي الصادرات، والـ158 في إجمالي الواردات، ورقم 175 من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، حسب مرصد التركيب الاقتصادي التابع لجامعة ماساشوستس الأمريكية «OEC».
سهيلة التاور
الزراعة والمواشي
يتكون القطاع الاقتصادي الخاص في جزء منه من العديد من الشركات الصغيرة، وجزء من الشركات التابعة لشركات فرنسية أو دولية كبيرة.
وتشكل الزراعة والمنتجات الزراعية أكبر قطاع في اقتصاد النيجر من حيث عدد الأشخاص العاملين ونسبة الناتج القومي الإجمالي، ويُزرع الدخن والذرة الرفيعة، وهما من المحاصيل الغذائية الرئيسية، في الجنوب، وكذلك الكسافا وقصب السكر. كما يزرع الأرز في وادي نهر النيجر.
وأدى تخفيض قيمة فرنك غرب إفريقيا بنسبة 50 في المائة في 1994 إلى زيادة صادرات الماشية واللوبيا والبصل ومنتجات صناعة القطن الصغيرة.
والثروة الحيوانية هي قطاع مهم في الاقتصاد الزراعي، وهي مصدر رئيسي للتصدير. وترتبط قدرة النيجر على الحفاظ على الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء والماشية ارتباطا وثيقا بهطول الأمطار، وقد أدت فترات الجفاف إلى نقص في الواردات.
ولزيادة الإنتاج وتجنب نقص الحبوب، استثمرت الحكومة في مشاريع الري و«برنامج الزراعة في غير موسمها»، وكذلك برامج للإنتاج الزراعي على نطاق صغير.
أهم صادرات النيجر هي الذهب (2.7 مليار دولار)، والبذور الزيتية (344 مليون دولار)، والمواد الكيميائية المشعة (297 مليون دولار)، والبترول المكرر (235 مليون دولار)، واليورانيوم والثوريوم (36.5 مليون دولار) واللحوم.
وتذهب معظم صادرات البلاد إلى الإمارات العربية المتحدة (2.68 مليار دولار) والصين (344 مليون دولار) وفرنسا (197 مليون دولار) وبوركينا فاسو (123 مليون دولار) ومالي (110 ملايين دولار)، حسب مرصد «oec».
اليورانيوم والذهب
اكتشف اليورانيوم في النيجر عام 1957 من قبل المكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية، وارتبط تعدينه ارتباطا وثيقا بدول إفريقية أخرى مثل الغابون عن طريق دور لجنة الطاقة الذرية الفرنسية، وبعد أن أصبحت النيجر مستقلة عن فرنسا في 1960، بدأت الشركة النووية الفرنسية تعدين احتياطات اليورانيوم منذ عام 1970، وعام 2021 زودت النيجر الاتحاد الأوروبي بنحو 25 في المائة من إمدادات العنصر النووي، مع زيادة الطلب الفرنسي عليه بتوسيع باريس محطاتها النووية.
ووفقا لبيانات الرابطة النووية العالمية، فإن في البلاد منجمان مهمان لليورانيوم يوفران نحو خمسة في المائة من إنتاج التعدين العالمي من خامات اليورانيوم عالية الجودة في إفريقيا، وهناك دعم حكومي قوي لتوسيع تعدين اليورانيوم.
وثار جدل حول قضية اليورانيوم النيجري، وفق مزاعم سعي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى شرائه من النيجر، وهي المزاعم التي استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لتبرير الحرب على العراق، عندما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في خطاب «حالة الاتحاد» في يناير 2003، إن «صدام حسين سعى إلى امتلاك كميات خطرة من اليورانيوم من إفريقيا»، واستند بوش إلى معلومات استخباراية إيطالية تناولت صفقة عراقية لشراء 500 طن من اليورانيوم من النيجر، وأشارت إلى اتفاق بين نيامي وبغداد لبيعه بين عامي 1991 و2001، لكن حكومة النيجر آنذاك نفت أنها باعته إلى العراق.
ووصفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوثيقة في مارس 2003 في تقريرها إلى مجلس الأمن بأنها مزيفة، وليس هناك ما يشير إلى أن العراق حاول استيراد اليورانيوم من النيجر منذ 1990، وعام 2005 أقر مستشار الأمن القومي الأمريكي، ستيفن هادلي، أنه التقى قائد الاستخبارات الإيطالية في شتنبر 2002، التي ذكرت بعض التقارير أنها هي من زود واشنطن بوثيقة مزيفة عن صفقة يورانيوم بين العراق والنيجر.
ولم ينته الجدل حول القضية عند هذا الحد، بل تم استدعاء وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، للشهادة أمام الكونغرس في أبريل 2007، وكانت صحيفة « صنداي تايمز» البريطانية نقلت أيضا في أبريل 2006 عن مصادر في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن «الوثيقة المزورة التي ورد فيها أن العراق حاول شراء اليورانيوم من النيجر، أعدها موظفان في سفارة النيجر بروما، لحساب عميل لدى الاستخبارات الفرنسية».
و النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفرنسا، التي تعتمد على الطاقة النووية لحوالي 70 في المائة من طاقتها، هي مستورد رئيسي لليوارنيوم من البلاد، فوفقا للمجتمع الأوروبي للطاقة الذرية (يوراتوم)، ساهمت النيجر بنسبة 19 في المائة من إمدادات اليورانيوم الفرنسية خلال الفترة 2005- 2020، خلف كازاخستان وأستراليا، وهو رقم يعتقد الخبراء المناهضون للأسلحة النووية أنه لا يستهان به.
كما ساهم التنقيب عن الذهب في تنويع عائدات البلاد، ويمكن أن يتجاوز اليورانيوم في غضون سنوات قليلة، وفق موقع وزارة الاقتصاد الفرنسية.
وفي خضم وضع سياسي واقتصادي مقلق، ظهر نشاط جديد غير متوقع فجأة في بداية عام 2014 في شمال النيجر، وهو التنقيب عن الذهب، بعد اكتشاف أول موقع في وادي دغادو، وبعد بضعة أشهر، تم تشغيل موقع ثان، وهو موقع «تشيباراكتنTchibarakaten » الشهير.
وفي الوقت نفسه، تم اكتشاف عدة رواسب صغيرة في سلسلة آير، بدأ مواطنون في استغلالها بشكل عشوائي.
واستولى التعطش للذهب على العديد من النيجريين والأجانب بحثا عن الثروة. حيث يعيش أكثر من 800 ألف شخص من التنقيب عن الذهب في جميع أنحاء البلاد، وفقا لتصريح سابق لوزيرة المناجم، أوسيني حديزاتو يعقوبة.
وفي عام 2018 كان لدى النيجر نحو 200 موقع لغسل الذهب، مدرجة لدى الحكومة.
ويمارس تعدين الذهب على نطاق صغير في منطقة ليبتاكو ويستخرج من قبل شركة واحدة فقط، S.M.L. التي تحمل ترخيصين في منطقة ليبتاكو، وفق ورقة تعريفية باقتصاد النيجر منشورة على موقع وزارة الاقتصاد الفرنسية أيضا.
وفي عام 2021، صدرت النيجر ما قيمته 2.7 مليار دولار من الذهب، مما يجعلها المصدر رقم 29 للذهب في العالم. في العام نفسه، كان الذهب هو المنتج الأول الأكثر تصديرا في النيجر.
والوجهة الرئيسية لصادرات الذهب من النيجر هي: الإمارات العربية المتحدة (2.68 مليار دولار) وجنوب إفريقيا (17.5 مليون دولار) وتركيا (7.65 ملايين دولار).
الحديد والنحاس والملح والفحم
تشمل ثروات النيجر الأخرى الملح، الذي يتم استغلاله تقليديا ويتم استخراج النطرون (كربونات الصوديوم المائية) محليا. كما يُستخرج حجر القصدير (خام القصدير) في أعمال مفتوحة في منطقة عسير.
وتم العثور على آثار من النحاس والليغنيت (الفحم الأسود البني) والموليبدينوم والزنك والفوسفات والتيتانيوم، وهي موارد معدنية أصبحت هدفا لمزيد من التنقيب. تم العثور على احتياطي من خام الحديد، بمحتوى حديد يبلغ حوالي 50 في المائة، في منطقة ساي.
وخلال أواخر الستينيات، تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من الفحم في النيجر، وهو الآن من بين أهم الموارد الطبيعية في البلاد.
وتوجد في النيجر العديد من مناجم الفحم، أكبرها في آنو أرارين.
وعندما تم اكتشاف احتياطيات الفحم في النيجر، خططت الحكومة لاستخدامها كمصدر للوقود، لتوفير الكهرباء لمناجم اليورانيوم في البلاد.
وفي عام 1981، تم إنشاء محطة لتوليد الكهرباء لاستخدام الفحم في البلاد.
إلى ذلك، يزخر باطن النيجر بعدة معادن أخرى، لكن بنسب متفاوتة، وليست بالنسبة الكبيرة التي تجعلها رائدة في تصديرها، مثل، الجبس، الحجر الجيري، الملح، الفضة والقصدير.
استراتيجيات نفطية
أما الإنتاج النفطي في النيجر، فظهر حين اكتشف أول حقل للنفط وهو حقل تينتوما الذي تم تحديده عام 1975، وفي 2008 وقعت
النيجر عقدا نفطيا مع «شركة البترول الوطنية الصينية»، في شأن الحقل الثاني للنفط في منطقة أغاديم الواقعة في أقصى شرق منطقة ديفا.
وعام 2011 افتتحت مصفاة النفط الأولى والوحيدة في البلاد قرب زيندر، ثاني أكبر مدينة وتقع في الجنوب الشرقي للنيجر، وفي حين كان الافتتاح قد تم التخطيط له كاحتفال كبير لمناسبة اكتشاف النفط، سرعان ما أصبح حدثا سياسيا متنازعا بشدة.
وفي كتابه «ملوك النفط الجدد» قال الكاتب لوك باتاي: «حيث يوجد مصدر للطاقة فهناك صراع مسلح في أحيان يفرضه الخارج، وصراع داخلي ليس منيعا ضد تدخلات دولية، وأدى توجه الصين نحو الاستثمار في إفريقيا عموما إلى التأثير في سياسات الصين تجاه القارة الإفريقية، بل جذب التأثيرات الدولية الأخرى، خصوصا الغربية التي ترى في بكين مستثمرا جديدا لدول القارة».
وعند مجيء الرئيس محمدو إيسوفو من العاصمة نيامي عام 2011 إلى زيندر للاحتفال بافتتاح مصفاة البترول، أضرم الشباب الإطارات في الشوارع واشتبكوا مع الشرطة، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب عنيفة استمرت بضعة أيام، فواصل الشباب اشتباكهم مع قوات الأمن في الشوارع وأحرقوا مركزا للشرطة ونهبوا أحد البنوك، مما أدى إلى وقوع قتلى وإصابات في صفوفهم.
وعن الخلافات حول البنية التحتية النفطية في النيجر التي أشعلتها مكونات اجتماعية وسياسية، قال الباحث النيجري يانيك شريت: «بعد تجاوز لعنة الموارد وتركيز نماذج الدولة الريعية على البحث عن الريع المصحوب بالجشع، فإن الخلافات حول البنية التحتية النفطية في النيجر تكشف عن جوهر السياسة والمجتمع اليوميين في لحظة دخول عصر النفط، أي المحتوى المحلي».
وحدد شريت ثلاث استراتيجيات مشتركة اعتمدتها البلدان المستضيفة، لكسب موطئ قدم في صناعة النفط، وتحقيق التنمية الوطنية، لاكتساب فهم دقيق لسياسة الموارد والتوحيد القياسي في إفريقيا، وهي «التحكم في الموارد والروابط القطاعية والتوطين».