محمد اليوبي
كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات المرفوع من طرف زينب العدوي، رئيسة المجلس، إلى الملك محمد السادس، عن اختلالات خطيرة تسببت في فشل تنفيذ مخطط تنمية جهة الدار البيضاء الكبرى (2015- 2020)، الذي تم تقديمه أمام الملك في سنة 2014.
ويتضمن المخطط مجموعة من البرامج تضمنتها الاتفاقيات العشر الموقعة أمام الملك يوم 26 شتنبر 2014، وذلك بغلاف مالي قدره 33,6 مليار درهم، مع مراعاة أن الاتفاقيتين التاسعة والعاشرة لم يتم فيهما تحديد تكلفة البرامج المفترض إنجازها. وأشار التقرير إلى أن هذه الاتفاقيات الإطار العشر قد تمت أجرأتها بعقد اتفاقيات خاصة بلغ عددها 54 اتفاقية، إلى حدود يناير 2020، وما يزيد على 13 عقدا ملحقا، علاوة على عدد من عقود الإشراف المنتدب المنبثقة من أغلبية الاتفاقيات الخاصة.
كما أن بعض الاتفاقيات الخاصة تتضمن مشروعا واحدا، كما هو الحال بالنسبة إلى الاتفاقيات الإطار حول بناء نظام نقل عصري في موقع مهيأ بالدار البيضاء، وتأهيل البنيات التحتية الثقافية والرياضية والترفيهية، وتهيئة وتثمين الشريط الساحلي للعاصمة الاقتصادية، في حين تتضمن اتفاقيات أخرى عدة مشاريع، مثل الاتفاقيات الإطار بشأن إنجاز التجهيزات العمومية في إطار عمليات محاربة السكن غير اللائق، والبرنامج الجهوي المندمج للتأهيل الاجتماعي.
وأفضت مهمة تقييم مخطط تنمية جهة الدار البيضاء الكبرى، التي أنجزها المجلس الجهوي للحسابات لجهة الدار البيضاء- سطات، بشراكة مع المجلس الأعلى للحسابات، إلى تسجيل مجموعة من الملاحظات وإصدار عدة توصيات، من أبرزها عدم توفر الجهة على أي وثيقة رسمية تحمل «مخطط تنمية جهة الدار البيضاء الكبرى (2015 – 2020)». ويعتبر العرض المقدم أمام الملك، الوثيقة الوحيدة المتوفرة والتي تم الاعتماد عليها كإطار لتقييم هذا المخطط. وسجل التقرير أنه بالرغم من الإشارة في هذا العرض إلى المبادئ المنهجية والمحاور الاستراتيجية ودعائم التنمية، إضافة إلى الاتفاقيات الإطار العشر، إلا أنه لوحظ غياب إطار مرجعي متكامل وموحد للمخطط، يضم على الخصوص منظومة لتتبع مشاريع وبرامج المخطط، تحدد فيها الأهداف المراد بلوغها ومؤشرات الفعالية والأداء المتعلقة بها، وكيفيات وشكليات مراجعة المخطط في إطار تصور شمولي لتجاوز الإكراهات المحتملة التي قد تعترض إنجاز المخطط، وكذلك آليات الإشراف وتتبع تنفيذ المخطط ككل (بالرغم من وجود لجنة مركزية فعلية غير منصوص عليها في أي اتفاقية)، وفي المقابل تم التعامل مع المخطط كمجموعة من الاتفاقيات، يتم تتبع ومراقبة سيرها من طرف لجان القيادة والتتبع المحدثة لهذا الغرض على مستوى الاتفاقيات.
وبالاعتماد على برامج التمويل على مستوى الاتفاقيات الإطار والاتفاقيات الخاصة المدلى بها إلى حدود نهاية يناير 2020، تبين أن مجموع المبالغ المرصودة للمخطط قد بلغ 27,3 مليار درهم، أي ما ينيف عن 80 في المائة من المبلغ الإجمالي للمخطط والمحدد في 33,6 مليار درهم. وأشار التقرير إلى أنه لم يتم تحديد تكلفة البرنامج على مستوى الاتفاقيتين الإطار المتعلقتين بتوحيد وملاءمة المعايير بمحيط توزيع الخدمات المتعلقة بالماء والكهرباء والتطهير السائل، داخل المجال الترابي لجهة الدار البيضاء الكبرى، وتلك المتعلقة بإعادة التهيئة وحماية تراث مدينة الدار البيضاء.
كما حازت الاتفاقية الإطار المرتبطة ببناء نظام نقل عصري في موقع مهيأ بالعاصمة الاقتصادية، النصيب الأوفر بمعدل تجاوز 50 في المائة (مبلغ 14,3 مليار درهم) من مجموع المساهمات المرصودة لتمويل المخطط، في حين أن الاتفاقية الإطار بشأن تهيئة الطرق الحضرية والبنيات التحتية الطرقية الأخرى وتحسين السير والجولان تبوأت المركز الموالي، بمبلغ 7,32 مليارات درهم ومعدل الربع. وبذلك يتضح أن هاتين الاتفاقيتين تمثلان لوحدهما ما يناهز 80 في المائة من مجموع المبالغ المعبئة لتمويل مشاريع المخطط.
وتبين من خلال تحليل مجموع المبالغ المرصودة للمخطط المحددة في 3,27 مليارات درهم، أن حوالي 87 في المائة منها تتشكل من مساهمة وزارة الداخلية التي بلغت 6,026 مليارات درهم، أي ما يعادل 22 في المائة، ومساهمة صندوق مواكبة إصلاحات النقل الطرقي الحضري والرابط بين المدن (FART) التي بلغت 6,4 مليارات درهم، أي ما يقارب 23,5 في المائة، ومساهمة عن طريق القرض في إطار الاتفاقية الإطار المتعلقة بعصرنة النقل التي بلغت 5,25 مليارات درهم، أي بنسبة 19,25 في المائة.
ورصد قضاة المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الثغرات التي شابت الاتفاقيات الإطار والخاصة، وذلك على مستوى الإعداد والإبرام والمصادقة، حيث وجدوا صعوبة في تحديد الحصيلة المرحلية بالنسبة إلى المشاريع المدرجة بالمخطط إلى حدود نهاية يناير 2020، واعتبارا لذلك فقد تعذر تحديد مجموعة من المؤشرات المتعلقة بوضعية المخطط الإجمالية، من قبيل الالتزامات المالية لمختلف الشركاء، ومجموع المستحقات المفرج عنها، والمبالغ الملتزم بها، والأشغال المنجزة وكذا المبالغ المسددة.
وخلص التقرير إلى وجود صعوبات وإكراهات تعترض تنفيذ اتفاقيات المشاريع المدرجة بالمخطط، أما بخصوص الاتفاقية الإطار المتعلقة بالبرنامج المندمج للتأهيل الاجتماعي، بعد الاطلاع على محاضر اجتماعات لجنة القيادة المنعقدة خمس مرات (بالتواريخ التالية 23 أبريل 2018 و10 غشت 2018 و27 شتنبر 2018 و29 نونبر 2018 وفاتح أكتوبر 2019)، تم الوقوف على أهم الصعوبات التي اعترضت تنفيذها، تتجلى في عدم انعقاد اجتماعات لجنة القيادة بصفة دورية، مما أدى إلى تراكم المشاكل التي عرفها إنجاز المشاريع المقررة، وتغيير في المحاور الاستراتيجية للبرنامج المندمج للتأهيل الاجتماعي، والذي لم يواكبه تعديل للاتفاقيات الخاصة، وعدم قدرة لجنة القيادة على إلزام بعض الشركاء على احترام التزاماتهم التعاقدية، كما هو الشأن بالنسبة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والذي لم يقم بعرض مشروع الاتفاقية الخاصة لإنجاز 13 مركزا للتكوين، قصد التوقيع والمصادقة عليها، بالإضافة إلى صعوبات تصفية وجاهزية الأوعية العقارية، عدم التحديد الدقيق لمجال تدخل شركات التنمية المحلية، عدم احترام مقتضيات الاتفاقيات الخاصة الموقعة، والتأخر في أجرأة هذه الأخيرة.
وأكد التقرير أن أغلبية المشاريع عرفت تأخرا، سواء في مرحلة الدراسات أو أثناء مرحلة التنفيذ، ويعزى ذلك علاوة على الاختلالات المتعلقة بالحكامة على مستوى التتبع والإشراف المنتدب المشار إليها آنفا، إلى جملة من الصعوبات والإكراهات المصنفة.